عندنا إجماع الصحابة، ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة لا بإسناد متصل ولا منقطع، فكأن الصحابة أجمعوا على أن الامام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين أن يصلوا قعودا، وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد وأبو الشعثاء، ولم يرو عن أحد من التابعين أصلا خلافه، لا بإسناد صحيح ولا واه، فكأن التابعين أجمعوا على إجازته، قال: وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان، ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة، وتبعه عليه من بعده من أصحابه، انتهى كلام ابن حبان. وحكى الخطابي في المعالم والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلاف ذلك. وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى ابن حزم عنهم، وحكاه ابن دقيق العيد عن أكثر الفقهاء المشهورين. وقال الحازمي في الاعتبار ما لفظه: وقال أكثر أهل العلم: يصلون قياما ولا يتابعون الامام في الجلوس.
وقد أجاب المخالفون لأحاديث الباب بأجوبة: أحدها دعوى النسخ قاله الشافعي والحميدي وغير واحد، وجعلوا الناسخ ما تقدم من صلاته (ص) في مرض موته بالناس قاعدا وهم قائمون خلفه ولم يأمرهم بالقعود، وأنكر أحمد نسخ الامر بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين: إحداهما إذا ابتدأ الامام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه، فحينئذ يصلون خلفه قعودا. ثانيتهما: إذا ابتدأ الامام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما، سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا، كما في الأحاديث التي في مرض موته (ص)، فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة، لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما وصلوا معه قياما، بخلاف الحالة الأولى فإنه (ص) ابتدأ الصلاة جالسا، فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم. ويقوي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ، لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين، لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع