الترك مطلقا، لامكان أن يفعلها في جماعة آخرين قبل التحريق أو بعده. الثالث: قال الباجي وغيره إن الخبر ورود مورد الزجر وحقيقته غير مرادة، وإنما المراد المبالغة، ويرشد إلى ذلك وعيدهم بعقوبة لا يعاقبها إلا الكفار، وقد انعقد الاجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك، وأجيب بأن ذلك وقع قبل تحريم التعذيب بالنار، وكان قبل ذلك جائزا، على أنه لو فرض أن هذا التوعد وقع بعد التحريم لكان مخصصا له، فيجوز التحريق في عقوبة تارك الصلاة. الرابع: تركه صلى الله عليه وآله وسلم لتحريقهم بعد التهديد، ولو كان واجبا لما عفا عنهم. قال عياض ومن تبعه: ليس في الحديث حجة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم هم ولم يفعل، زاد النووي: ولو كانت فرض عين لما تركهم، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله، والترك لا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك، على أن رواية أحمد التي ذكرها المصنف فيها بيان سبب الترك. الخامس: أن التهديد لقوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة وهو ضعيف، لأن قوله: لا يشهدون الصلاة بمعنى لا يحضرون. وفي رواية لأحمد عن أبي هريرة:
العشاء في الجمع أي في الجماعة. وعند ابن ماجة من حديث أسامة: لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم. السادس: أن الحديث ورد في الحث على مخالفة أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم، لا لخصوص ترك الجماعة، ذكر ذلك ابن المنير.
السابع: أن الحديث ورد في حق المنافقين فلا يتم الدليل، وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة، مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان معرضا عنهم، وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم، وقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وتعقب هذا التعقب ابن دقيق العيد بأنه لا يتم إلا إن ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه، ولا دليل على ذلك، وليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم. قال في الفتح: والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الحديث: أثقل الصلاة على المنافقين. ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لو يعلمون الخ، لأن هذا الوصف يليق بهم لا بالمؤمنين، لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر، يدل على ذلك قوله في رواية: لا يشهدون العشاء في الجمع وقوله في حديث أسامة: لا يشهدون الجماعات وأصرح من ذلك ما في رواية أبي داود عن أبي هريرة: ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد