واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة، فما كان أخص منها مطلقا كحديث يزيد بن الأسود وابن عباس الآتيين في الباب الذي بعد هذا، وحديث علي المتقدم، وقضاء سنة الظهر بعد العصر، وسنة الفجر بعده، للأحاديث المتقدمة في ذلك، فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم، وما كان بينه وبين أحاديث الباب عموم وخصوص من وجه، كأحاديث تحية المسجد، وأحاديث قضاء الفوائت وقد تقدمت، والصلاة على الجنازة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت الحديث أخرجه الترمذي. وصلاة الكسوف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة والركعتين عقب التطهر لحديث أبي هريرة المتقدم. وصلاة الاستخارة للأحاديث المتقدمة وغير ذلك، فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب من وجه، وأخص منها من وجه، وليس أحد العمومين أولى من الآخر بجعله خاصا لما في ذلك من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج.
وعن عمرو بن عبسة قال: قلت: يا نبي الله أخبرني عن الصلاة، قال: صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار رواه أحمد ومسلم. ولأبي داود نحوه وأوله عنده:
قلت: يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح.
قوله: وترتفع فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس طلوع الشمس بل لا بد من الارتفاع. وقد وقع عند البخاري من حديث عمر المتقدم بلفظ: حتى تشرق الشمس والاشراق الإضاءة. وفي حديث عقبة الآتي: حتى تطلع الشمس بازغة وذلك يبين أن المراد بالطلوع المذكور في حديث الباب وغيره الارتفاع والإضاءة لا مجرد الظهور، ذكر معنى ذلك القاضي عياض. قال النووي: وهو متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات، وقد ورد مفسرا في بعض الروايات بارتفاعها قدر رمح. قوله: فإنها تطلع بين قرني