دون الفرض والإيجاب. وروي: أن جعفر بن محمد ع كان يشرب من السقايات التي بين مكة والمدينة فقيل له في ذلك فقال: إنما حرمت علينا صدقة الفرض.
وأما الاجماع فقد اجتمعت الأمة على جواز الهبة واستحبابها.
إذا تقرر هذا فالهبة والصدقة والهدية بمعنى واحد، غير أنه إذا قصد الثواب والتقرب بالهبة إلى الله تعالى سميت صدقة فإذا أقبضها لا يجوز له الرجوع فيها بعد الإقباض على كل من تصدق عليه بها، وإذا قصد بها التودد والمواصلة لا التقرب إلى الله تعالى سميت هدية وهبة وهي على ضربين: هبة يجوز للواهب الرجوع فيها بعد قبض الموهوب لها، وهبة لا يجوز للواهب الرجوع فيها بعد قبض الموهوب لها.
فالموهوب على ضربين: ذي رحم وأجنبي. وذو الرحم على ضربين: ولد وغير ولد.
والولد على ضربين: صغير وكبير. فإذا كان كبيرا بالغا فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بعد قبضها على حال سواء أضاف الولد إلى القبض شيئا آخر أو لم يضف وكذلك الولد الصغير لأن قبض الوالد قبض عنه فلا يحتاج إلى قبض والولد الكبير يحتاج إلى قبض في هبته ولزومها فهذا الضرب من الهبة الذي لا يجوز بعد القبض الرجوع فيها بحال فأما ذو الرحم غير الولد.
فبعض أصحابنا يجريه مجرى الولد الأكبر ويذهب إلى أنه لا يجوز للواهب الرجوع في الهبة بعد إقباضها إياه وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته، وبعض يذهب إلى أن له الرجوع بعد القبض ويجريه مجرى الأجنبي وهو الذي يذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه وهذا الذي يقوى في نفسي.
فأما الضرب الهبة بعد الإقباض فهي الهبة للأجنبي ولذي الرحم غير الولد على الأظهر الأصح عند أصحابنا، فإذا وهب الأجنبي وقبضه إياها فللواهب الرجوع فيها ما لم يضف الموهوب له إلى القبض أحد ثلاثة أشياء: أما أن يعوض عنها الواهب سواء كان العوض مثلها أو أقل منها أو أكثر، أو يتصرف فيها، أو يستهلك عينها.
فمتى أضاف إلى القبض أحد الثلاثة الأشياء فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بحال لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، وهذا عقد يجب الوفاء به وما عدا هذا الموضع مما يجوز للواهب