وجه التبع لهم.
وإذا وقف دارا وقبض فإنه يزول ملك الواقف كما يزول بالبيع وينتقل إلى الموقوف عليه وهو الصحيح. وقال قوم: ينتقل إلى الله تعالى. وإنما قلنا ذلك لأنه يثبت عليه اليد وليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه على كل حال وإنما يملك بيعه على وجه عندنا، وهو إذا خيف على الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة أو لا يقدرون على القيام به أو يخاف وقوع خلاف بينهم يؤدى إلى فساد يجوز لهم بيعه، ومع عدم ذلك كله لا يجوز . والوقف على المساجد وما فيه مصالح المؤمنين إنما يصح وإن كانت هذه الأشياء لا تملك لأن الوقف عليها لمصالح المسلمين فالوقف عليها وقف على المسلمين والمسلمون يملكون. فإن وقف انسان شيئا على قومه ولم يسمهم كان ذلك وقفا على جماعة أهل لغته من الذكور دون الإناث، لقوله تعالى: لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء، فدل على أن لفظ القوم لا يقع على النساء.
فصل: والعمرى نوع من الهبات تفتقر في صحتها إلى إيجاب وقبول، ويفتقر لزومها إلى قبض كسائر الهبات. وهي مشتقة من العمر، وصورتها أن يقول الرجل لآخر: أعمرتك هذه الدار أو جعلتها لك عمرك أو هي لك ما حييت. وهذا عقد جائز، فإن قال: هذه الدار لك عمرك ولعقبك من بعدك، فإنه جائز وإنما هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها.
وإما إذا أطلق ذلك ولم يذكر العقب فإن العمرى يصح ويكون للمعمر حياته، فإذا مات رجع إلى المعمر أو إلى ورثته إن كان مات وهو الصحيح، ولا فرق عندنا سواء علقه بموت المعمر أو المعمر.
والرقبى جائزة عندنا وصورتها صورة العمرى إلا أن اللفظ يختلف. ومن أصحابنا من قال: الرقبى أن تقول: جعلت خدمة هذا العبد لك مدة حياتك أو مدة حياتي. وهو مأخوذ من رقبة العبد.
باب الهبة وأحكامها:
الهبة جائزة لكتاب الله وللسنة، فالكتاب قوله تعالى: تعاونوا على البر والتقوى