باب كيفية الوقف وأحكامه:
قال الله تعالى: وأقرضوا الله قرضا حسنا، نزلت حين وقف بعض الأنصار نخيلا، وسمى تعالى ذلك قرضا تلطفا في القول لأن الله تعالى من حيث أنه يجازيهم على ذلك بالثواب فكأنه استقرض لرد منهم عوضه، وإنما قال: " حسنا " أي على وجه لا يكون فيه وجه من وجوه القبح.
و: ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، أي ما تعطوا الفقراء والمساكين تجدوا ثوابه وجزاءه.
ثم اعلم أن وجوه العطايا ثلاثة، اثنان منها في الحياة وواحد بعد الوفاة، فالذي بعد الوفاة هو الوصية ولها كتاب مفرد نذكره فيما بعد، وأما اللذان في حال الحياة فهما الهبة والوقف، وللهبة باب مفرد يجئ بعد هذا.
وأما الوقف فهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وجمعه وقوف وأوقاف يقال:
وقفت، ولا يقال: أوقفت، إلا شاذا نادرا، ويقال: حبست وأحبست. فإذا وقف شيئا من أملاكه زال ملكه عنه إذا قبض الموقوف عليه أو من يتولى عنه، وإن لم يقبض لم يمض الوقف ولم يلزم. فهذان شرطان في صحة الوقف. فمتى لم يقبض الوقف ولم يخرجه من يده أو وقف ما لا يملكه كان الوقف باطلا، فإذا قبض الوقف فلا يجوز الرجوع له فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة ولا غيرها، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه.
فصل: وما روي عن النبي ص أنه قال: لا أحبس بعد سورة النساء، فلا يدل على حظر الوقف أو كراهيته، وإنما المعنى في ذلك أحد أمرين:
أحدهما: أراد حبس الزانية التي ذكرها الله في قوله تعالى: فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، فإن الله نسخ هذا الحكم على لسان رسوله ع بقوله ع: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
والثاني: أراد الحبس الذي كان يفعله الجاهلية في نفي السائبة والبحيرة والوصيلة والحام، قال الله تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام.