المراد بالقرب التصرف فيه على ما قدمناه، وإنما خص اليتيم لأنه لما كان لا يدفع عن نفسه ولا له والد يدفع عنه وكان الطمع في ماله أقوى تأكد النهي في التصرف في ماله: " إلا بالتي هي أحسن " أي بحفظه عليه إلى أن يكبر أو بتثميره بالتجارة.
باب: ما على وصي اليتيم قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم. قال ابن جبير: يعني بأموالكم أموالهم، كما قال: ولا تقتلوا أنفسكم، قال: وهم اليتامى لا تؤتوهم أموالهم وارزقوهم فيها واكسوهم.
والأولى حمل الآية على الأمرين لأن العموم يقتضي ذلك فلا يجوز أن يعطي السفيه الذي يفسد المال ولا اليتيم الذي لم يبلغ ولا الذي بلغ ولم يؤنس منه الرشد ولا أن يوصي إلى سفيه ولا يخص بعض دون بعض، فالموصي إذا كان عاقلا حرا ثابت العقل لا يوصي إلى سفيه ولا إلى فاسق ولا إلى عبد لأنه لا يملك مع سيده شيئا، بل يختار لوصيته عاقلا مسلما عدلا حكيما، وإنما تكون إضافة مال اليتامى إلى من له القيام بأمرهم على ضرب من المجاز أو لأنه لا يعطي الأولياء ما يخصهم لمن هو سفيه.
ويجري ذلك مجرى قول القائل لواحد: يا فلان أكلتم أموالكم بينكم بالباطل.
فيخاطب الواحد بخطاب الجميع ويريد به أنك وأصحابك أكلتم. والتقدير في الآية: لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم فتضيعوها.
ومعنى قوله: وقولوا لهم قولا معروفا، أي يا معشر ولاة السفهاء قولوا للسفهاء إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم. وقال الزجاج: علموهم مع إطعامكم إياهم وكسوتكم إياهم أمر دينهم.
وفي الآية دلالة على جواز الحجر على اليتيم إذا بلغ ولم يؤنس منه الرشد لأنه منع تعالى من دفع المال إلى السفهاء. وفيها أيضا دلالة على وجوب الوصية إذا كان الورثة سفهاء، لأن ترك الوصية بمنزلة إعطاء المال في حال الحياة إلى من هو سفيه، وإنما سمي الناقص العقل سفيها وإن لم يكن عاصيا لأن السفه هو خفة الحلم.