الوقف إلى غيره أرد عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله. والذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه وتقبيضه لا يجوز الرجوع فيه ولا تغييره عن وجوهه وسبله ولا بيعه سواء كان بيعه أرد عليهم أم لا وسواء أضر به الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا لأنا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف وأنه لا يجوز حله ولا تغييره عن وجوهه وسبله فمن ادعى غير ذلك فقد ادعى حكما شرعيا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي لأنه لا إجماع منا على ذلك لأن بعض أصحابنا يذهب إليه والباقين يمنعون منه فقد حصل الاجماع المنعقد على كونه وقفا ولم يجمعوا على خروجه من الوقف بحال من الأحوال، ولا يرجع في مثل هذا الاجماع والأصل إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
فإن شيخنا أبا جعفر قال في مسائل خلافه: مسألة: إذا خرب الوقف ولا يرجى عوده في أصحابنا من قال: يجوز بيعه وإذا لم يختل لم يجز، وبه قال أحمد بن حنبل وقال الشافعي: لا يجوز بيعه على حال، دليلنا الأخبار المروية عن الأئمة ع. هذا آخر كلامه في المسألة فاعتبر أيها المسترشد قوله واستدلاله فإنه قال: وفي أصحابنا من قال يجوز بيعه، ولم يستدل بالإجماع لأنهم ما أجمعوا على بيعه بعد خرابه واختلاله وذكر ما لا دليل فيه من أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا، هذا الخلاف الذي حكيناه من أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم، فأما إذا كان الوقف على قوم وعلى من أحدهم على غيرهم وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك إلى أن يرث الله الأرض لم يجز بيعه على وجه من الوجوه بغير خلاف من أصحابنا.
قد قلنا: أنه إذا قبض الوقف زال ملك الواقف عنه وصار ملكا للموقوف عليه فإذا ثبت أنه يزول وهو الصحيح فإنه ينتقل إلى الموقوف عليه وهو الصحيح.
وقال قوم: ينتقل إلى الله ولا ينتقل إلى الموقوف عليه وإنما قلنا: إنه ينتقل إلى الموقوف عليه لأنه يضمن بالغصب ويثبت عليه اليد وليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه على حال ومنع البيع لا يدل على أنه لم يملكه لأن الشئ المرهون ملك للراهن ولا يجوز بيعه وكذلك أم الولد ملك لسيدها بلا خلاف ولا يجوز له بيعها ما دام ولدها حيا عند أصحابنا فعلى هذا التحرير فهل يقبل في الوقف شاهد واحد ويمين المدعي أم لا؟ من قال: ينتقل إلى الله، قال: لا يقبل في ذلك إلا