قوله: لكن لا يخفى أنه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير.
أقول: الوجه فيه هو ما تقدم آنفا من كون الأدلة الواردة في نفي الاكراه وشبهه واردة في مقام الامتنان على الأمة بعمومها، فلا يصح التمسك بها لدفع الضرر عن أحد بتوجيه الضرر إلى غيره، لأن ذلك على خلاف الامتنان في حق ذلك الغير، وليس الوجه فيه هو ما ذكره المصنف من عدم تحقق الاكراه إذا لم يتوجه الضرر على المكره، فقد عرفت أن مفهوم الاكراه أوسع من ذلك.
2 - أن يكون قبول الولاية من الجائر عاصما عن توجه الضرر إلى المؤمنين، وسببا لنجاح المكروبين منهم، من دون أن يلحق المكره ضرر لو لم يقبلها.
ومثاله ما لو أكره الجائر على قبول الولاية من قبله وأوعده على تركها باضرار المؤمنين وهتكهم والتنكيل بهم وما أشبه ذلك، ولا شبهة هنا أيضا في جواز الولاية عن الجائر لدفع الضرر عن المؤمنين.
وتدل على ذلك الروايات المتقدمة الدالة على جواز الولاية عن الجائر لاصلاح أمور المؤمنين، بل دلالتها على الجواز هنا أولى من وجهين: الأول وجود الاكراه، والثاني القطع بتوجه الضرر على المؤمنين مع رد الولاية.
3 - أن يكره الظالم أحدا على ارتكاب شئ من المحرمات الإلهية، سواء كانت هي الولاية أم غيرها، من غير أن يترتب عليها في تركها ضرر أصلا، ولكن الظالم أوعده على ترك ذلك العمل باجبار غيره على معصية من حرمات الله، ومرجع ذلك في الحقيقة إلى دوران الأمر بين اقدام المكره - بالفتح - على معصية لا يتضرر بتركها وبين اقدام شخص آخر عليها.