فلا تكون القدرة عليه موجودة حينئذ، لا شك أن وجود القدرة بعد الفعل مما لا يتصور، فتعين أن تكون موجودة معه وهو المطلوب، هذا دليل الأشاعرة على هذا المدعى، وأما ما ذكره من لزوم المحالات بأن الكافر مكلف بالإيمان بالاجماع فإن كان قادرا على الإيمان حال الكفر لزم أن تكون القدرة متقدمة على الفعل وهو خلاف مذهبهم وإن لم يكن قادرا لزم تكليف ما لا يطاق، فجوابه أنا نختار أنه غير قادر على الإيمان حال الكفر ولا يلزم وقوع تكليف ما لا يطاق، لأن شرط صحة التكليف عندنا أن يكون الشئ المكلف به متعلقا بالقدرة، أو يكون ضده متعلقا للقدرة، وهذا الشرط حاصل في الإيمان، فإنه وإن لم يكن مقدورا له قبل حدوثه لكن تركه بالتلبس بضده الذي هو الكفر مقدور له حال كونه كافرا (إنتهى).
أقول قد أجاب أصحابنا عن الدليل الذي نقله عن الأشاعرة أولا بالنقض بالقدرة القديمة فإن قيل: لا يلزم من وجود القدرة القديمة قبل وقوع الفعل وجود تعلقها قبله، فالقدرة القديمة تعلقها مع الفعل ومقدورية الفعل إنما تجب في زمان تعلق القدرة به، قلنا:
فليجز مثل ذلك في القدرة الحادثة وهو أن تكون نفسها موجودة قبل الفعل وتعلقها مقارنا للفعل، وثانيا بالحل وهو تحقيق معنى قوله: حصول الفعل قبل وقوعه محال بأنه قد يراد به معنيان، الأول أن حصول الفعل في زمان قبل زمان الفعل مشروطا بشرط كونه قبله محال، والثاني أن حصول الفعل في زمان قبل زمان حصول لكن غير مشروط بشرط كونه قبله محال، لا اشتباه في استحالة المعنى الأول لكنه لا ينافي المقدورية وإمكان حصول الفعل من القادر، لأن هذا المحال لم يلزم من وجود الفعل في ذلك الزمان وحده حتى يلزم امتناعه قبله فيه بل منه مع فرض كون