من أن الخالق للشيئ لا يكون موصوفا بذلك الشئ الذي خلقه فهو حقيقة منع للمقدمة التي استدل المصنف عليها بقوله: ولهذا لا يصح إثبات أحدهما حال نفي الآخر وبقوله: ولأنه لما فعل العدل سمي عادلا، فكذا لو فعل الظلم سمي ظالما فلا يلتفت إليه، وأيضا يتوجه على ما قدمه ما قدمناه، ويزيد عليه هيهنا أن نفيه لكون الخالق للشئ موصوفا بذلك الشئ مبني على أن الوصف إنما يترتب على الكسب، وهو أول المسألة، وبالجملة من لم يثبت عنده للصدور معنى سوى الخلق ينحصر عنده أن يكون الاتصاف بالأوصاف المذكورة من جهلة الخلق، والمانع للحصر مكابر لا يلتفت إليه.
قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه يلزم منها المحال، لأنه لو كان هو الخالق للأفعال فإما أن يتوقف خلقه لها على قدرنا ودواعينا أو لا، والقسمان باطلان، أما الأول فلأنه يلزم منه عجزه تعالى عما يقدر عليه العبد، لأنه يستلزم خلاف المذهب، وهو وقوع الفعل منه والدواعي من العبد، إذ لو كان من الله تعالى لكان الجميع من عنده، لأن القدرة والدعي إن أثرتا فهو المطلوب، وإلا كان وجودهما كوجود لون للانسان وطوله وقصره، ومن المعلوم بالضرورة أنه لا مدخل للون والطول القصر في الأفعال، وإذا كان هذا الفعل صادرا عنه جاز وقوع جميع الأفعال المنسوبة إلينا منا وأما الثاني فلأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى أوجد أي خلق تلك الأفعال من دون قدرهم ودواعيهم حتى يوجد الكتابة والنساجة والمحكمتان ممن لا يكون عالما بهما، ووقوع الكتابة ممن لا يدله ولا قلم، ووقوع شرب الماء من الجائع في الغاية الريان في الغاية، مع تمكنه من الأكل، ويلزم تجويز أن تنقل النملة الجبال، وأن لا يقوي الرجل الشدى القوة على رفع تبنة، وأن يجوز من الممنوع المقعد