إلى التكميل على الفاضل الكامل عقلا ونقلا كما تقدم في النبوة، ومنشأ شبهتهم في هذا التجويز أن
النبي (ص) قدم
عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر، وكذا قدم
أسامة بن زيد عليهما مع أنهما أفضل من كل منهما، والجواب بعد تسليم أفضليتهما والإغماض من أن هذه الأفضلية إنما توهم لها بعد غصبهما الخلافة إنهما إنما قدما عليهما في أمر
الحرب فقط، وقد كانا أعلم منهما في قطعا، كما دل عليه الأخبار والآثار، هذا إن جعلنا التقديم والتأخير منوطا
باختيار الله تعالى، وإن جعلناه منوطا
باختيار الأمة كما هو مذهب جمهور الناصبة فهو أيضا غير مقبول لأنه يقبح في العقول أيضا أن يجعل المفضول المبتدي في الفقه مقدما على
ابن عباس وذلك بين عند كل عاقل والمخالف فيه مكابر، ومن العجايب أن
عبد الحميد بن أبي الحديد نسب هذا التقديم الذي ذهب إليه إلى الله عز وجل فقال في خطبة شرحه
لنهج البلاغة (1): وقدم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف، وهذا القول في غاية ما يكون من السخف، لأنه نسب ما هو قبيح عقلا إلى الله عز وجل مع أنه عدلي المذهب وقد خالف مذهبه، ولهذا حصل الشكايات الواردة عن
علي (ع) عن الصحابة والتظالم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية (2) على ذلك، ولا يخفى أن الحمل على ذلك مما لا وجه له سوى التحامل على
علي (ع)، لأن هذا التقديم إن كان من الله تعالى لم يصح من
علي (ع) الشكاية مطلقا، لأنها حينئذ تكون ردا على الله والرد عليه حد الكفر، وإن كان من الخلق فإن كان هذا التقديم لمصلحة المكلفين علم بها جميع الخلق غير
علي (ع)، فقد نسبه (ع) إلى الجهل بما
عرفه عامة الخلق، وإن كان لا لمصلحة كان تقديما بمجرد التشهي فلم تكن
____________________
(1) فراجع (ص 1 ج 1 شرح النهج ط مصر) (2) وجه تسميتها بذلك أنه عليه السلام لما أنشأ هذه الخطبة تنفس الصعداء وقال عليه السلام شقشقة هدرت ثم قرت.