قال المصنف رفع الله درجته المسألة الرابعة في النبوة وفيه مباحث الأول في نبوة محمد (ص)، اعلم أن هذا أصل عظيم في الدين وبه يقع الفرق بين المسلم والكافر، فيجب الاعتناء به وإقامة البرهان عليه، ولا طريق في إثبات النبوة على العموم ولا على الخصوص إلا بمقدمتين، إحديهما أن النبي (ص) ادعى رسالة رب العالمين له إلى الخلق كافة، وأظهر المعجزة على وفق دعواه لغرض التصديق له، والثانية أن كل من صدقه الله فهو صادق، وهاتان المقدمتان لا يقول بهما الأشاعرة، أما الأولى فلأنه يمتنع أن يفعل الله فعلا لغرض من الأغراض أو لغاية من الغايات، فلا يجوز أن يقال: إنه تعالى فعل المعجز على يد مدعي الرسالة لا لغرض تصديقه ولا لأجل تصحيح دعواه، بل فعله مجانا ومثل هذا لا يمكن أن يكون حجة النبي (ص)، لأنا لو شككنا في أن الله تعالى لو فعله لغرض التصديق أو لغيره لم يمكن الاستدلال على صدق مدعي النبوة مع هذا الشك فكيف يحصل الجزم بصدقه مع الجزم بأنه لم يفعله لغرض التصديق وأما الثانية فإنها لا تتم على مذهبهم، لأنهم يسندون القبائح كلها إلى الله تعالى ويقولون: كل من ادعى النبوة سواء كان محقا أو مبطلا فإن دعواه من فعل الله تعالى وأثره، وجميع أنواع الشرك والمعاصي والضلال في العالم من عند الله تعالى، فكيف يصح مع هذا أن يعرف أن هذا الذي صدقه صادق في دعواه، فجاز أن يكذب في دعواه ويكون هذا الاضلال من الله تعالى كغيره من الأضاليل التي هو فعلها، فلينظر العاقل هل يجوز له أن يصير إلى مذهب لا يمكن إثبات نبوة نبي من الأنبياء البتة ولا يمكن الجزم بشريعة من الشرايع؟ والله تعالى قد قطع أعذار المكلفين بإرسال الرسل
(١٩٠)