هذا قبيح منهي عنه خلقه الله تعالى في مدعي النبوة، وأجرى
كسب العبد على وفقه حتى لا نقبله أو حسن مرضى له تعالى حتى نتبعه، والاعتراف بكونه لا يرضى لعباده الكفر والضلال إنما يفيد لو كان هناك ما يتميز به عند العقل الكفر والضلال عن غيره، وأما إذا كانت الأفعال سواسية (1) في عدم اتصافها
بالحسن والقبح الذاتي والوصفي والاعتباري كما ذهب إليه الأشعري فكيف يهتدي المكلف إلى أن ذلك المخلوق فيه حسن مرضي لله تعالى أو قبيح ليس بمرضي له، وأما ما ذكره من الترديد في المجاز بقوله: أتريدون الامكان العقلي الخ، ففيه من التحمل (2) والتمويه ما لا يخفى، لأنه جعل الامكان العقلي مقابلا للتجويز العقلي بحسب العادة، مع أن المتقابلين في هذا المقام هما الامكان العقلي والامكان العادي، وليت شعري ما معنى تجويز العقل بحسب العادة؟! وبالجملة أنا نختار الشق الأول ونقول: المراد الامكان العقلي بمعنى تجويز العقل وقوع
الكذب، فيصير حاصل دليل المصنف أنه على تقدير نفي القبح العقلي لا يمتنع
الكذب عليه تعالى امتناعا عقليا، بمعنى أن يجزم العقل بسلب صدوره عنه تعالى، إذ لا دليل على هذا الجزم إلا أنه يقبح عقلا صدور القبح عنه، وإذا لم يجزم العقل بسلب صدور القبيح عنه تعالى فيجوز إظهار المعجزة على يد الكاذب وإذا
جوز العقل ذلك انسد باب إثبات النبوة، فلا يثبت نبوة بني كما ذكره المصنف (قده) والحاصل أنهم إذا اعترفوا بجواز إظهار المعجزة على يد الكاذب وتصديقه تعالى إياه فمجرد الدعوى في الجزم بعدمه غير كاف، ضرورة أنه ليس ببديهي، بل لا بد من إثباته حتى يثبت
____________________
(1) السواء: العدل والوسط والمستوى، والجمع أسواء وسواسي وسواسية وسواسوة على غير القياس، ولا يخفى أنها من الجموع المولدة لا الأصلية المعهودة من عصر الجاهلية التي يستشهد بها في كلام العرب العرباء.
(2) تمحل الشئ: احتال في طلبه.