إن الفرد من أفراد القدرة الحادثة إذا حدث وحصل منه الفعل فعين ذلك الفرد لا يتعلق بضده بل يقول: إن القدرة الحادثة مطلقا تتعلق بالضدين، وهذا لا ينفيه
الأشاعرة، فالنزاع لفظي تأمل وأما ما ذكره من أنه يوجب عدم كون القادر قادرا لأنه إذا لم تصلح القدرة للضدين لا يكون الفاعل قادرا على عدم الفعل وهو الترك، فيكون مضطرا لا قادرا، فالجواب عن ذلك أنه إن أريد بكونه مضطرا أن فعله غير مقدور له فهو ممنوع، وإن أريد به أن مقدوره ومتعلق قدرته متعين وأنه لا مقدور له بهذه القدرة سواه، فهذا عين ما ندعيه ونلتزمه ولا منازعة لنا في تسميته مضطرا، فإن الاضطرار بمعنى امتناع الانفكاك لا ينافي القدرة، ألا ترى أن من أحاط به بناء من جميع جوانبه بحيث يعجز عن التقلب من جهة إلى أخرى فإنه قادر على الكون في مكانه بإجماع منا ومنهم مع أنه لا سبيل له إلى الانفكاك عن مقدروه (إنتهى).
أقول قد مر أن القول بأن القدرة مع الفعل مهدوم، فالبناء عليه يكون ملوما مذموما، وأما ما أظهر التفرد به من جعل النزاع لفظيا فساقط جدا، وهو دليل كونه متفردا فيه وذلك لأن مبناه على ما خان فيها الناصب أولا حيث قيد القدرة بالواحدة وبدل صلاحيتها للضدين بتعلقها بهما، فإن المسألة على وجه عنون به المصنف هيهنا وغيره في غيره وهو أن القدرة صالحة للضدين، وقال الناصب عند تقرير المبحث أقول: مذهب
الأشاعرة أن القدرة الواحدة لا تتعلق بالضدين، ويدل على ما ذكرنا من أن الكلام في أصل القدرة بلا قيد الواحدة وفي صلاحيتها دون تعلقها كلام شارح العقائد في مسألة الاستطاعة حيث قال: إن القدرة صالحة للضدين عند أبي حنفية (1) حتى أن القدرة المصروفة
____________________
(1) هو أبو حنفية نعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه، وقيل هرمزد الفارسي الأصل والنسب