فبعد تواتر الحديث كما اعترف به أكابر أهل السنة ووضوح حجته وصراحة مدلوله على ما قررنا وفهمه فصحاء قريش يكون ارتكاب القدح والمنع عليه أو تأويله على وجه ينقبض عنه العقل السليم ناشيا عن إعوجاج الفطرة وسوء الاستعداد والتورط في العصبية والعناد، ولو كان باعث إتيان
النبي (ص) بتلك الخطبة في ذلك الزمان والمكان
خوف افتراق قبائل العرب كما زعمه الناصب الشقي دون نزول الوحي بالأمر الفوري كما ترويه الشيعة عن أئمتهم عليهم السلام لكان النبي قرر في نفسه قبل الوصول إلى ذلك المقام قراءة تلك الخطبة عند اجتماع الناس في ذلك اليوم ولكان الظاهر حينئذ أن يأتي به في صباح ذلك اليوم لا في الظهر وأثناء الارتحال، بل كان الظاهر على ذلك التقدير أن يخطب به في أيام
الحج حتى يسمعه كل من حضرها لظهور أن جميع من حضر
الحج من العرب وغيرهم لم يصبحوا
النبي (ص) من
مكة إلى
غدير خم، بل بعضهم بقي في
مكة ومن كان من أهل اليمن وباقي
جزيرة العرب عادوا من
مكة إليها، فظهر أن الإعلام بذلك في ذلك الزمان والمكان لم يكن من عند النبي ولا لأجل ما علله الناصب به، وإنما كان بالوحي الإلهي ولأجل أن مقاساة المشقة عند استماع مضمون الخطبة في ذلك الزمان والمكان كان أدعى إلى عدم نسيانه كما قيل: إن في الكسبيات اعتمال (1) قلما تنسى، ولأن ذلك أدل على كون ذلك مقتضى الحكم الإلهي دون اجتهاد
النبي (ص) كما جوزه القوم عليه إلى غير ذلك من الحكم الظاهرة والآيات الباهرة ومما يدل على ذلك دلالة صريحة أن إبلاغ محبة أهل البيت ونصرتهم ونحو ذلك مما احتمله الناصب بعد ما سبق إبلاغهما منه (ع) مكررا لا يوجب التأكيد والمبالغة من الله تعالى في ذلك بحيث يخاطب
نبيه (ص) بأنه إذا لم يفعل ذلك كان كمن لم يبلغ شيئا من أحكامه تعالى، فتعين أن يكون المراد بالابلاغ إبلاغ حكم يتحقق بإبلاغه
____________________
(1) الاعتمال: الممارسة في العمل والتمرن به.