____________________
لا يذهب عليك أن المتقدمين من أرباب الكتب قد يعبرون بعلم الأحاجي والأغاليط وقد يذكرون علم الألغاز والتعمية وكثيرا ما يشتبه الأمر على الراجل في ضروب الكمالات ويظن أن الثلاثة مترادفة، وليس كذلك بحسب المصطلح لذي أهلها، فالأحاجي جمع أحجية كالأضحية، وهو علم يبحث فيه عن الألفاظ المخالفة لقواعد العربية بحسب الظاهر وتطبيقها عليها، إذ لا يتيسر إدراجها فيها بحسب القواعد المشهورة، وموضوع هذا العلم الألفاظ المذكورة من الحيثية المذكورة، والغرض منه تحصيل ملكة تطبيق الألفاظ التي تتراءى بحسب الظاهر مخالفتها لقواعد لسان العرب، والاحتياج إلى هذا العلم من حيث إن ألفاظ العرب قد يوجد فيها ما يخالف قواعد العلوم العربية بحسب الظاهر بحيث لا يتيسر إدراجه فيها بمجرد معرفة تلك القواعد فاحتج إلى هذا الفن، وقد صنفت في المحاجات عدة كتب منها كتاب المحاجاة لأبي المعالي سعد بن علي الوراق الحطيري المتوفى سنة 568، ومنها كتاب المحاجات لجار الله الزمخشري المتوفى سنة 538، وشرحه للشيخ علم الدين علي بن محمد السخاوي الدمشقي المتوفى سنة 643 وقد سلك الحريري في المقامة السادسة والثلاثين المسماة بالملطية مسلك المحاجات فراجع وأما علم الألغاز فهو علم يتعرف منه دلالة الألفاظ على المراد دلالة خفية في الغاية لكن لا بحيث تنبو عنها الأذهان السليمة بل تستحنها وتنشرح إليها بشرط أن يكون المراد من الألفاظ الذوات الموجدة في الخارج، وبهذا يفترق عن المعمى الآن المراد في باب الألغاز من الألفاظ اسم شئ من الانسان وغيره والحاصل أن هذا المدلول الحفي إن لم يكن ألفاظا وحروفا بلا قصد دلالتها على معان آخر بل ذوات موجودة يسمى اللغز وإن كان ألفاظا وحروفا دالة على معان مقصودة يسمى معمى، وبهذا يعلم أن اللفظ الواحد يمكن أن يكون معمى ولغزا باعتبارين، لأن المدلول إذا كان ألفاظا، فإن قصد بها معان أخر يكون معمى، وإن قصد ذوات الحروف على أنها من الذات يكون لغزا، ويحتاج حلهما إلى لطف قريحة وذوق سليم تدرك بها المناسبة بين الدال والمدلول الخفي، على وجه مقبول لدى ذوي الأذواق السليمة والأذهان المستقيمة، وقد ألفت وصنفت فيهما عدة كتب ورسائل ونبعت نوابع، فمن ذلك كتاب المعميات للعلامة المير سيد حسين المعمائي، ورسالة المعميات لسام ميرزا ابن السلطان المؤيد الغازي (شاه إسماعيل) الماضي الموسوي الصفوي، وكتاب الألغاز للسيد عز الدين حمزة الصادقي النسب الدمشقي المتوفى سنة 874، وكتاب الذخائر الأشرفية للقاضي عبد البر بن شحنة المتوفى 921، وكتاب الشيخ عبد الرحيم بن الحسن الأصنوي المتوفى سنة 772، وكتاب الشيخ عبد الوهاب السبكي المتوفى سنة 771، ورسالة أستاذي العلامة الشيخ محمد الحسين الشيرازي النجفي المتوفى ببلدة (سر من رأى) إلى غير ذلك، ومن الأمثلة الشهيرة في اللغز قول الشاعر في القلم وما غلام راكع ساجد * أخو نحول دمعه جاري ملازم الخمس لأوقاتها * منقطع في خدمة الباري وقال آخر في الميزان وقاضي قضاة يفصل الحق ساكتا * وبالحق يقضي لا يبوح فينطق قضى بلسان لا يميل وأن يمل * على أحد الخصمين فهو مصدق هذا ملخص ما يستفاد من كشف الظنون والدستور، ومفتاح السعادة، والأبجد، والمدائن.