وأبي لهب وغيرهما حيث لم يصدر عنهم قبيح ولا معصية، فلا تتحقق معصيته من العبد البتة، وأيضا المعصية قد نهى الله تعالى عنها إجماعا
والقرآن مملوء من المناهي والتوعد عليها، وكل ما نهى عنه فهو قبيح، إذ لا معنى للقبيح عندهم إلا ما نهى الله تعالى عنه مع أنها قد صدرت من إبليس وفرعون وغيرهما من البشر، وكل ما صدر من العبد فهو مستند إلى الله تعالى والفاعل له هو الله تعالى لا غير عندهم، فيكون حسنا حينئذ وقد فرضناه قبيحا هف، وأما الثالث فهو باطل بالضرورة إذ إثبات ما لا يعقل غير معقول وكفاهم من الاعتذار الفاسد واعتذارهم بما لا يعلمونه، وهل
يجوز لعاقل منصف من نفسه المصير إلى هذه الجهالات والدخول في هذه الظلمات والإعراض عن الحق الواضح والدليل اللائح والمصير إلى القول بما لا يفهمه القائل ولا السامع ولا يدري هل يدفع عنهم ما التزموا به أو لا؟ فإن هذا الدفع وصف من الصفات والوصف إنما يعلم بعد العلم بالذات فإذا لم يفهموه كيف
يجوز لهم الاعتذار به، فلينظر العاقل في نفسه قبل دخوله في رمسه (1) ولا يبقى للقول مجال ولا يمكن الاعتذار بمثل هذا المحال (2) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: القول الثاني الذي ذكره في معنى الكسب هو مذهب القاضي أبو بكر الباقلاني من
الأشاعرة، ومذهبه أن الأفعال الاختيارية من العبد واقعة بمجموع القدرتين على أن تتعلق قدرة الله تعالى بأصل الفعل وقدرة العبد بصفته أعني بكونه طاعة أو معصية إلى غير ذلك من الأوصاف التي لا يوصف بها أفعاله تعالى كما في لطم اليتيم تأديبا أو إيذاءا، فإن ذات اللطم بقدرة الله تعالى وتأثيره وكونه طاعة على الأول
____________________
(1) الرمس: القبر.
(2) قد مر أنه من اللغات المثلثة التي يختلف معناها حسب اختلاف حركاتها فراجع (ص 107 ج 1).