تأمل فيه علم أنه الحق الصريح المطابق للعقل والنقل، كل ما ذكره هذا الرجل على سبيل التشنيع فلا يأتي عليهم كما علمته مجملا وستعلمه مفصلا عند أقواله. و ما ذكره من قصة
سورة النجم وقراءة
النبي (ص) ما لم يكن من
القرآن فهذا أمر لم يذكر في الصحاح بل هو مذكور في بعض التفاسير، وذكروا أن
النبي (ص) لما اشتد عليه اعتراض قومه عن دينه تمنى أن يأتيه من الله تعالى ما يتقرب إليهم ويستميل قلوبهم، فأنزل الله عليه
سورة النجم ولما اشتغل بقرائتها قرأ بعد قوله تعالى أفرأيتم اللات والعزى ومناة والثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى، فلما سمعه قريش فرحوا به وقالوا قد ذكر آلهتنا بأحسن الذكر فأتاه جبرئيل (1) بعد ما أمسى وقال له تلوت على الناس ما لم أتله عليك: فحزن
النبي (ص) لذلك
حزنا شديدا وخاف من الله خوفا عظيما، فنزل لتسليته: وما أرسلنا من قبلك من رسول الآية (2) هذا ما ذكره بعض المفسرين واستدل به من
جوز الكبائر على الأنبياء،
والأشاعرة أجابوا عن هذا بأنه على تقدير حمل التمني على القراءة هو أنه من إلقاء الشيطان يعني أن الشيطان قرأ هذه الآية المنقولة وخلط صوته بصوت النبي حتى
ظن النبي أنه (ص) قرأها، قالت
الأشاعرة: وإن لم يكن من إلقاء الشيطان بل كان
النبي صلى الله عليه قاريا لها كان ذلك كفرا صادرا عنه وليس بجائز إجماعا، وأيضا ربما كان ما ذكر من العبارة قرآنا وتكون الإشارة بتلك الغرانيق إلى الملائكة فنسخ تلاوتها للابهام (3)
____________________
(1) فيه لغات كجبرعيل، وجزقيل، وجبرعل، وسمويل، وجهراعل، وخزعال، و طربال، وجبريل، وجبريل بفتح الياء، وجبربيل، وجبيرين، والجبار بالتخفيف فاللفظة من باب (فالعبوا به) عند أهل الادب، أي كيفما تلفظت لم يكن لحنا ولا غلطا.
(2) الأنبياء. الآية 25.
(3) الابهام في الاصطلاح هو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد يراد به البعيد، و بهذا المعنى يرادف التورية كما نص عليه أرباب البلاغة.