المرتاب من. ن المصنف نطق بخلاف مذهبه في هذا الباب وارتاح بذلك كأنه وجد تمرة الغراب فمدفوع رغما لأنفه بما أوضحناه سابقا من أن أصل الإرادة مخلوق لله تعالى والإرادة الجازمة فعل للعبد، ثم القول بأن الاختيار فعل اضطراري إنما يكون مكابرة كما ذكره الناصب لو أريد بذلك أن الاختيار العبد مثلا فعل اضطر العبد نفسه إليه، وأما إذا أريد أنه فعل اضطر الله (1) تعالى أو غيره العبد إليه بأن قال له على سبيل الجبر والقسر: اختر هذا فلا، وإنما نشأ له هذا التوهم من مقابلة الاختيار للجبر والاضطرار ولم يعلم أن أحد المتقابلين ربما يتعلق بالمقابل الآخر كتعلق التصور بالتصديق مع كونهما قسمين متقابلين للعلم، وأما ما ذكره من المترتبتين الآتيتين في الجواب فمبناهما على فهم أن مراد المصنف من الاختيار والإرادة اللذين حكم بكونهما فعل العبد أصل الاختيار والإرادة وقد علمت أن المراد الاختيار الجازم والإرادة الجازمة، وأما قوله فنقول: هذا هو المدعى والمراد بالجواز الامكان الذاتي الخ فظاهر أنه أراد به أن ما ذكره المصنف من جواز أن يوجد الاختيار ولا يخلق الله الفعل عقبيه مدعانا، والمراد بالجواز المأخوذ في هذا المدعى هو الامكان الذاتي الذي تخالفه العادة، وأنت خبير بأنه إذا سلم إمكان أن يوجد الاختيار ولا يخلق الله الفعل عقبيه، وسلم أن العادة غير واجبة الاستمرار فما المانع من خروج الامكان إلى الفعل، وكيف يحصل الأمان من الوقوع بأن لا يخلق الله الفعل عقيب وجود الاختيار.
قال المصنف رفع الله درجته وأما الثاني فلأن كون الفعل طاعة أو معصية أن يكون نفس الفعل في الخارج أو أمرا زائدا عليه، فإن كان الأول كان أيضا من الله فلا يصدر عن العبد شئ البتة
____________________
(1) اضطر من الأفعال التي تعدى بنفسه ولا تعدى فلا تغفل.