هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (1) دلت الآية على أن مجتنب الكبيرة والفاحشة معفو عنه ما صدر من الصغائر عنه، وفي الآية إشارة إلى أن الانسان لما خلق من الأرض ونشأ منها فلا يخلو عن الكدورات الترابية التي تقتضي تقتضي الذنب والغفلة فكان بعض الذنوب يصدر بحسب مقتضى الطبع، ولما لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة به، وأما العصمة عند الحكماء فهي ملكة تمنع الفجور، وتحصل هذه ابتداء بالعلم بمثالب (2) المعاصي ومناقب الطاعات وتتأكد في الأنبياء بتتابع الوحي إليهم بالأوامر الداعية إلى ما ينبغي والنواهي الزاجرة عما لا ينبغي، ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو عمدا عند من
يجوز تعمدها من ترك الأولى والأفضل، فإنها لا تمنع العصمة التي هي الملكة (3) فإن الصفات النفسانية تكون في ابتداء حصولها أحوالا (4) ثم تصير ملكات بالتدريج ثم إن الأنبياء مكلفون بترك الذنوب مثابون به، ولو كان الذنب ممتنعا عنهم لما كان الأمر كذلك إذ لا تكليف بترك الممتنع ولا ثواب عليه، وأيضا فقوله: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي (5) يدل على مماثلتهم لسائر الناس فيما يرجع إلى البشرية والامتياز بالوحي لا غير، فلا يمتنع صدور الذنب عنهم كما في سائر البشر هذا حقيقة مذهب
الأشاعرة، ومن
____________________
(1) النجم. الآية 32.
(2) المثالب جمع المثلية. العيب.
(3) كيفية نفسانية راسخة حاصلة من كثرة الممارسة بشئ، ومزيلها المداومة على خلافها، ولها انقسامات باعتبارات ليس المجال متسعا لذكرها.
(4) الحال كيفية نفسانية غير راسخة. ولها أيضا انقسامات كما يظهر لمن راجع كتب الفلسفة والكلام.
(5) الكهف. الآية 110.