ومعصية على الثاني بقدرة العبد وتأثيره، هذا مذهب القاضي وهو غير مقبول عند عامة الأصحاب من الأشاعرة لشمول الأدلة المبطلة لمدخلية اختيار العبد في التأثير في أصل الفعل تأثيره في الصفة بلا فرق، وهذا الإبطال مشهور في كتب الأشاعرة فليس من خواصه، وأما ما أورده على معنى الكسب حسبما هو مذهب القاضي فغير وارد عليه ونحن نبطله حرفا بحرف فنقول: أما قوله: كون الفعل طاعة هو كون الفعل موافقا لأمر الشريعة وكونه موافقا لأمر الشريعة إنما هو شئ يرجع إلى ذات الفعل إلى آخر الدليل، فجوابه أنا لا نسلم أن كونه موافقا لأمر الشريعة شئ يرجع إلى ذات الفعل، فإن المراد من رجوعه إلى ذات الفعل إن كان المراد أنه ليس صفة للفعل بل هو ذات الفعل فبطلانه ظاهر، وإن كان المراد أنه راجع إلى الذات بمعنى أنه وصف للذات فمسلم، لكن لا نسلم عدم جواز استناده إلى العبد باعتبار الصفة وهذا أول الكلام، ثم ما ذكر أن الطاعة حسنة والمعصية قبيحة وكل فعل يفعله الله فهو حسن عندهم، إذ لا معنى للحسن عندهم سوى صدوره من الله تعالى فلو كان أصل الفعل صادرا من الله تعالى أمتنع وصفه بالقبح وكان موصوفا بالحسن الخ، فجوابه أن الطاعة حسنة والمعصية قبيحة عند الأشاعرة ولكن مدرك هذا الحسن والقبح هو الشرع لا العقل، فكل فعل يفعله الله تعالى فهو حسن بالنسبة إليه وربما يكون قبيحا بالنسبة إلى المحل كالمعاصي قوله: فلو كان أصل الفعل صادرا من الله تعالى امتنع وصفه بالقبح، قلنا: المعصية صادرة من العبد مخلوقة لله تعالى وكل ما كان صادرا من الله تعالى كالخلق امتنع وصفه بالقبح، والمعصية صادرة من العبد ويجوز وصفها بالقبح فلا يلزم شئ مما ذكره بتفاصيله وأما قوله: وأما الثالث فهو باطل بالضرورة إذ إثبات ما لا يعقل غير معقول، فنقول: هذا القول إن صدر عن الأشاعرة يكون مراد القائل أن هناك شئ ينسب إليه أوصاف فعل العبد ولا بد من إثبات شئ لئلا يلزم بطلان التكليف والثواب والعقاب، ولكنه غير معلوم الحقيقة، وعلى هذا الوجه لا خلل في الكلام (إنتهى).
(١٤٠)