أقول تحقيق المسألة على وجه يظهر به تمويه استعاذة الناصب أنه لا خلاف بين العلماء في أنه تعالى عادل متفضل محسن، وإنما الخلاف في معناه قالت الأشاعرة إن معنى كونه تعالى عادلا أنه متصرف في ملكه لا في ملك غيره كما مر، وقالت العدلية من الإمامية والمعتزلة معناه أنه يختار الحسن ويخل القبيح، لكن من المعلوم أن التصرف في الملك يمكن أن يكون على الوجوه الحسنة، وأن يكون على الوجوه القبيحة ولا ريب في أن التصرف في الملك على الوجوه القبيحة ظلم وجور ليس بعدل فالقائلون بأن لا مؤثر إلا الله مع الاعتراف بحدوث الظلم والجور في العالم جاحدون لكونه تعالى عادلا في المعنى، لأن فاعل الظلم والجور لا يكون عادلا، وأما القائلون بأن العبيد محدثون لتصرفاتهم، فهم ينسبون الظلم إلى أنفسهم وينزهون الله تعالى عما يقولون ويفترون يعني النواصب القدرية، وجوابهم عما ذكره أهل العدل بأنا لا نسلم أن خالق الظلم والجور ليس بعادل، فإن خلق جميع الأشياء ليس بقبيح بالنسبة إليه، وإنما تصير الأشياء قبيح بالنسبة إلى الخلائق، وباعتبار قيامها بهم، مكابرة تسد باب المناظرة ثم إن الناصب لم يجعل عمرو بن العاص هيهنا شريكا مع أبي موسى (1) في الدعاء برضاء الله تعالى، لأنه وافق مذهب أهل
____________________
(1) هو أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليمان بن حضار الأشعري قال الخزرجي في خلاصة التهذيب (ض 178 ط مصر) ما لفظه: هاجر إلى الحبشة وعمل على زبيد وعدن وولي الكوفة لعمر والبصرة وفتح على يديه تستر، له ثلاثمأة وستون حديثا، اتفقا على خمسين، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة وعشرين، وعنه ابن المصيب وأبو وائل وأبو عثمان النهدي وخلق، وقال الهيثم: توفي سنة 42، انتهى وقيل توفي 53، والرجل غير رشيد، وكفى في حمقه مع قضيته مع عمرو بن العاص.