هو هذا، فكان الواجب على الناصب أن يقصر المسافة على نفسه ويقول إن تفضيل المفضول جائز إذا انتظمت الرئاسة بالمفضول أيضا لئلا يصير باقي المقدمات لغوا مستدركا، وأيضا سيصرح الناصب المردود أنه في هذا الجواب المردود بصدد المماشاة مع
الخصم في المحافظة على قاعدة
الحسن والقبح العقليين مع أن ما ذكره في الشق مخالف لما ذكره أعقل (1) الحكماء ورئيسهم في إلهيات الشفا حيث قال بعد اشتراط النص والأفضلية ونحوها من الصفات في الخليفة والمعول الأعظم العقل وحسن الايالة ممن كان متوسطا في الباقي بعد أن لا يكون غريبا في البواقي ولا يكون بمنزلته في هذين، فيلزم أعلمهما أن يشارك أعقلهما ويلزم أعقلهما أن يعتضد به ويرجع إليه مثل ما فعل عمر وعلي انتهى، إذ يفهم من عبارته أن الغريب من العلم الصائر إلى
الجهل مع كونه عارفا بحسن الايالة وقانون العدالة لا ينبغي للخلافة، وأن الأعرف بالسياسة إنما كان أولى من الأعلم لم يكن الأعلم بمنزلته في العدالة والإيالة، فلا يكون عمر على تقدير كونه أعرف بالسياسة أولى من
علي (ع)، لأن عليا (ع) كان في الأمرين على منزلة رفيعة كما اعترف به
الخصم أيضا هذا، وفي تمثيل الشيخ لذلك بحال علي وعمر دقيقة ذكرناها في كتاب مجالس المؤمنين (2)، ولعل الناصب زعم أن مضمون هذا الشق منطبق على حال خلفائه الثلاثة وأنهم كانوا مفضولين عن
علي (ع) في العلم بحفظ الحوزة أيضا، لكن المفضول في ذلك
يجوز نصبه مع وجود الفاضل فيه، وفيه أنه لو كان لهم علم بحال الرياسة والقيادة لما أمر
النبي (ص) عليهم
عمرو بن العاص مرة
وزيد بن حارثة مرة
وأسامة بن زيد أخرى، وإنما حصل ما حصل في زمان تقمصهم الخلافة من بعض النظام بمعاضدة غيرهم من أصحاب الأشرار كما لا يخفى على من تتبع الآثار والأخبار، وأما ما ذكره من أن هذا جواب ما
____________________
(1) هو الرئيس ابن سينا وقد مرت ترجمته في هذا المجلد.
(2) فراجع مجالس المؤمنين (ص 322 ط تبريز).