جوزوا تكليف المعدوم، فهذا ينافي ما أثبته في الفصل السابق، أنهم يقولون: إن التكليف مع الفعل، وليس قبله تكليف، فإذا كان وجود التكليف عند الأشاعرة مع الفعل، فهل يجوز عندهم أن يقولوا بتكليف المعدوم؟.
أقول قد بينا عند أبطال الكلام النفساني يرجع إلى العلم كما يدل عليه أيضا قول الناصب هيهنا: فإن من زور في نفسه كلاما ليخاطب به الخ والكلام هيهنا في صحة الخطاب والأمر والخطاب والنهي، فإثبات الكلام النفسي على الوجه المذكور لا يدفع قبح الأمر والخطاب في الأزل، ولو أريد بالكلام النفسي الأزلي ما يتحقق في ضمن الخطاب والأمر فهو كالخطاب والأمر قبيح غير معقول أيضا كما لا يخفى، ثم ما ذكره من أن ما نسب المصنف إلى الأشاعرة من جواز تكليف المعدوم ينافي ما نسبه إليهم سابقا من أن التكليف مع الفعل مردود، بأن غاية ما يلزم من ذلك توجه اعتراض آخر على الأشاعرة بتنافي أقوالهم لا على المصنف، نعم لو لم يثبت النقل في أحد الموضعين لتوجه على المصنف أنه خان في النقل، وهو بحمد الله تعالى برئ عن ذلك كما لا يخفى على المتتبع، والله أعلم.
قال المصنف رفع الله درجته الثاني: كون المكلف عاقلا فلا يصح تكليف الرضيع ولا المجنون المطبق، وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوزوا تكليف هؤلاء، فلينظر العاقل هل يحكم عقله بأن يؤاخذ المولود حال ولادته بالصلاة وتركها وترك الصوم والحج والزكاة، وهل يصح مؤاخذة المجنون المطبق على ذلك انتهى.
قال الناصب خفضه الله أقول: مذهب الأشاعرة أن القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ الحلم وعن المجنون