وأما ما ذكره من التعجب من بحث
الأشاعرة عن القدرة مع القول بأنها غير مؤثرة في الفعل، فبالحري أن يتعجب من تعجبه لأن القدرة صفة حادثة في العبد وهي من صفات الكمال، فالبحث عنها لكونها من الأعراض والكيفيات النفسانية وعدم كونها مؤثرة في الفعل من جملة أحوالها المحمولة عليها، فلم لم يباحث عنها، وأما قوله: أن لا فرق بينها، وبين اللون فقد أبطلنا هذا القول فيما سبق مرارا بأن اللون لا نسبة له إلى الفعل، والقدرة تخلق مع الفعل ليترتب على خلقها صورة الاختيار ويخرج بها العبد من الجبر المطلق، ويترتب على فعله الثواب والعقاب والتكليف والله أعلم، قال الإمام الرازي (1): القدرة تطلق على مجرد القوة التي هي مبدء الأفعال المختلفة الحيوانية، وهي القوة العضلية التي هي بحيث متى انضمت إليها إرادة أحد الضدين حصل ذلك الضد، ومتى انضمت إليها إرادة الضد الآخر حصل ذلك الآخر، ولا شك أن نسبتها إلى الضدين سواء، وهي قبل الفعل والقدرة أيضا تطلق على القوة المستجمعة لشرائط التأثير، ولا شك أنها لا تتعلق بالضدين معا وإلا اجتمعا في الوجود، بل هي إلى كل مقدور غيرها بالنسبة إلى مقدور آخر، وذلك لاختلاف الشرائط، وهذه القدرة مع الفعل، لأن وجود المقدور لا يتخلف عن المؤثر التام، ولعل الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوة المستجمعة لشرائط التأثير ولذلك حكم بأنها مع الفعل وأنها لا تتعلق بالضدين
والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرد القوة العضلية فلذلك قالوا بوجودها قبل الفعل وتعلقها بالأمور المضادة، فهذا وجه الجمع بين المذهبين، وبهذا يخرج (2) جواب أبي علي ابن سينا حيث قال: لعل القائم لا يقدر على القعود فإنه غير قادر بمعنى أنه لم
____________________
(1) قد مرت ترجمته في أوائل هذا المجلد من الكتاب. والجزء الأول ص 110.
(2) خرج المسألة، بين لها وجها والتخريج المصطلح عند المحدثين مأخوذ منه.