لم تكن نفسها إرادية ولا يلزم التسلسل المحال، وأما ما ذكره من أن الممكن إذا تعلقت به القدرة والإرادة وحصل الترجيح تقدم الإرادة والقديمة الدائمة والإلهية الخ فمن قبيل الرجم بالغيب والرمي في الظلام ومخالف لبديهة عقلاء الأنام، وأيضا يدل ذلك على أن إرادة الله تعالى اختياره لفعل من الأفعال فجاز أن يتقدم على فعل العبد وليس كذلك، لأنك قد عرفت فيما سبق أن إرادته تعالى عبارة عن العلم بما في الفعل من المصلحة، فلا معنى لقوله بقدم الإرادة القديمة إلى إيجاد الفعل، وبهذا تندفع شبهة أخرى لهم في هذا المقام، وهو أنه لو أراد الإيمان من الكافر والطاعة من العاصي وقد صدر الكفر من الكافر والمعصية من العاصي لزم أن لا يحصل مراد الكافر والعاصي، فيلزم أن يكون الله تعالى مغلوبا والكافر والعاصي غالبين عليه، بل يلزم أن يكون أكثر ما يقع من عباده خلاف مراده، والظاهر أنه لا يصبر على ذلك رئيس قرية من عباده انتهى ووجه الدفع أنه إذا كان إرادته تعالى عبارة عن العلم بما في الفعل من المصلحة فلو علم الله أن في الفعل الفلاني مصلحة ولم يختر العبد ذلك الفعل بل اختار نقيضه لم يلزم قدح مغلوبيته ولا نقصه، إذ ليس بين علمه تعالى بالمصلحة في الفعل وبين عدم اختيار العبد إياه تنافي وتعارض حتى يلزم هناك المغلوبية، نعم لو اختاره تعالى واختار العبد نقيضه وحصل مختار العبد دون مختاره تعالى للزم المغلوبية، لكن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، وأما ما ذكره من أن الغالب في القرآن ذكر الكسب عند إرادة ترتب الجزاء والثواب والعقاب على فعل العبد فمدخول بأنه كيف يحمل الكسب الواقع في القرآن على المعنى الذي ذكره الأشاعرة مع أنه لم يجئ في اللغة التي نزل بها القرآن بشئ من المعاني التي ذكروها له، وإنما ذلك اختراع منهم من عند أنفسهم فرارا عن الجبر المحض كما مر، ولهذا قيل: إن هرب الأشعري من الجبر المحض إلى الكسب
(١٢٨)