بعضهم: معنى الكسب خلق الله تعالى الفعل عقيب اختيار العبد الفعل وعدم الفعل عقيب اختياره العدم فمعنى الكسب إجراء العادة بخلق الفعل عند اختيار العبد، وقال بعضهم معنى الكسب أن الله يخلق الفعل من غير أن يكون للعبد فيه أثر البتة لكن العبد يؤثر في وصف كون الفعل طاعة أو معصية، فأصل الفعل من الله تعالى، ووصف كونه طاعة أو معصية من العبد، وقال بعضهم: إن هذا الكسب غير معقولا ولا معلوم مع أنه صادر عن العبد (إنتهى).
قال الناصب خفضه الله أقول: قد مر أن مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري أن أفعال العباد الاختيارية مخلوقة لله تعالى مكسوبة للعبد، والمراد بكسبه إياه مقارنته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له، هذا مذهب الشيخ، ولو رجع المنصف إلى نفسه علم أنه على متن الصراط المستقيم في التوحيد وتنزيه الله تعالى عن الشركاء في الخلق مع إثبات الكسب للعبد حتى تكون قواعد الاسلام ورعاية أحكام التكليف والبعثة والثواب والعقاب محفوظة مرعية من غير تكلف إيجاد الشركاء في الخلق، ونحن إن شاء الله تعالى نفسر كلام الشيخ ونكشف عن حقيقة مذهبه على وجه يرتضيه المنصف وينقاد لصحته المتعسف فنقول: يفهم من كلام الشيخ أنه فسر كسب العبد للفعل بمقارنة الفعل لقدرته وإرادته تارة وفسره بكون العبد محلا للفعل تارة وتحقيقه أن الله تعالى خلق في العبد إرادة يرجح بها الأشياء وقدرة يصح بها الفعل والترك، ومن أنكر هذا فقد أنكر أجلى الضروريات عند حدوث الفعل، وهاتان الصفتان موجودتان في العبد حادثتان عند حدوث الفعل، فإذا تهيأ العبد بقبول هاتين الصفتين لإيجاد الفعل وذلك الفعل ممكن والممكن إذا تعلقت به القدرة والإرادة وحصل الترجيح فهو يوجد لا محالة