بقدم الإرادة القديمة الدائمة الإلهية والقدرة القديمة، فأوجد الله بهما الفعل لكونهما أثم من الإرادة والقدرة الحادثة، والصفة القوية تغلب الصفة الضعيفة كالنور القوي يقهر النور الضعيف ويغلبه، فلما أوجد الله تعالى الفعل وكان قبل الايجاد تهيأت صفة اختار العبد إلى إيجاد ذلك الفعل، ولكن سبقت القدرة الإلهية فأحدثته فبقي للفعل نسبتان نسبة إلى العبد وهي أن الفعل كان مقارنا لتهيئة الإرادة والاختيار نح وتحصيل الفعل وحصول الفعل عقيب تهيؤه، فعبر الشيخ عن هذه النسبة بالكسب لأن الغالب في
القرآن ذكر الكسب عند إرادة ترتب الجزاء والثواب والعقاب على فعل العبد، ونسبة إلى الله تعالى مكسوبا للعبد، ثم إن فعل العبد صفة للعبد فيكون العبد محلا له لأن كل موصوف هو محل لصفته كالأسود، فإنه محل السواد فيجوز أن يقال باعتبار كون الفعل صفة له إنه كسبه، ومعنى الكسب كونه محلا له، والثواب والعقاب يترتب على المحلية كالاحراق الذي يترتب على الحطب بواسطة كونه محلا له لليبوسة المفرط، وهل يحسن أن يقال: لم ترتب الاحراق على الحطب لسبب كونه محلا لليبوسة والحال أن الحطب لم يحصل بنفسه هذه اليبوسة، وأي ذنب للحطب وهل هذا الاحراق إلا
الظلم والجور والعدوان، إن حسن ذلك حسن أن يقال لم جل الله تعالى الكافر محل الكفر ثم أحرقه بالنار؟ والعاقل يعلم أنه لا يحسن الأول فلا يحسن الثاني، فرغ جهدك (1) لنيل ما حققناه في هذا المقام في معنى الكسب الأشعري لئلا تبقى لك شبهة فهذا نهاية التوضيح، ولكن المعتزلي
____________________
(1) الجهد بضم الجيم: الطاقة والمشقة، والجهد بفتح الجيم من جهد كمنع بمعنى الجد والسعي، وكثيرا ما يشتبه الأمر في مقام التلفظ فلا تغفل.