إلى أصل الفعل ولا عدم استحقاقه لشئ من الثواب والعقاب، ويوضح (1) ذلك أنه إذا كان رجل حمال مدار تعيشه في كل يوم أن يأخذ أجرة معينة على حمل قدر معين من الخمر مثلا من مكان إلى مكان، فأمره سلطان قاهر لا يعرفه هو بهذا الوصف ذات يوم بحمل شئ من ذلك بتلك الأجرة المقررة أو أزيد منها في تلك المسافة المعهودة بعينها فإن قاهرية السلطان واقتداره في الواقع لا يوجب سلب اختيار المأمور المذكور في ذلك الفعل، لأن الفرض أنه كان يفعل ذلك بطيب قلبه دائما ولم يقع إجبار السلطان له فعلا (2) في ذلك الفعل مع ظهور أنه لم يمكنه التخلف عن أمر ذلك السلطان، فكما أن حصول القهر بالقوة هيهنا لا يوجب سلب الاختيار، لأنه أمر لاحق، كذلك الايجاب الناشي من علمه تعالى بوقوع أحد طرفي الفعل من المكلف لا يؤثر فيه ولا يوجب سلب اختياره، وكونه معذورا في ذلك الفعل المحرم (3) فتدبر، وأما ما أورده على الجواب المذكور في (شرح المواقف) أيضا فكلام منتحل مأخوذ عن بعض المتأخرين، وقد أطال الناصب فيه بما لا طائل تحته لئلا يظهر انتحاله إياه لكل أحد، بل أفسده حيث قرره بطريق المنع، وخرج به عن قانون المناظرة كما لا يخفى على من تأمل في المراتب التي نقلناها من كلام شارح التجريد، ومع هذا يمكن أن يدفع بأن للإمامية
والمعتزلة أن يقولوا: سلمنا أن علمه تعالى بما يصدر عنه فعلي كعلم البناء بخصوصيات البناء قبل أن يصنعه لا انفعالي إلا أنا لا نسلم أن علمه بأفعال العباد كذلك، وإنما يسلم ذلك أن لو ثبت أنه فاعل لأفعالهم ولم يثبت عندنا ذلك بعد، وإذا لم يكن علمه تعالى
____________________
(1) هذا التوضيح من خصائص هذا التعليق وهو أقوى وأوضح من جميع ما استوضحوا به المرام كما لا يخفى على المتتبع المنصف، منه (قده).
(2) أي بالفعل وفي الوقت الخاص.
(3) وهو عمل الخمر بأمر السلطان من غير حصول الجبر.