بهذا الجوا ب من قوله: قلت لا شك أن اختياره حادث الخ مردود بأن كون اختيار البعد حادثا مسلم، لكن عدم كونه صادرا عنه باختياره غير مسلم، وبأن الاختيار في الفعل عبارة عن تعلق إرادة العبد مثلا بالفعل، وهذا التعلق إرادي مسبوق بتعلق آخر متعلق إلى هذا التعلق وهكذا، وهذه التعلقات أمور انتزاعية اعتبارية لا استحالة للتسلسل فيها كما مر، وأما ما أتى به من الجواب عما يرد على الدليل الثاني فيتوجه عليه وجوه من الخلل، منها
منع قوله مقتضى العلم القديم يسلب القدرة عن ذي القدرة الحادثة، فإن ذلك إنما يسلم لو كان العلم القديم علة للمعلوم المقدور، وكان مخالفا لما علمه الله تعالى في الأزل، وكلتا المقدمتين ممنوعتان مقدوحتان كما مرت الإشارة إليه، فظهر أن ما زعمه الناصب الفريق من باب التدقيق حقيق باسم الزريق (1) ودليل على كونه من
الجهل في بحر عميق، وأما ما ذكره من أن لزوم الكفر من باب طاماته الخ فلعله أراد به أن اللزوم غير الالتزام فإذا ألزم الكفر من الدليل بحيث لا يشعر به المستدل لا يلزمه الكفر ولا يحكم به عليه، وأنت خبير بأن مراد المصنف أن هؤلاء من أصحاب الناصب إن اعترفوا بصحة الدليلين بعد ما أوضحنا لهم ما يلزم منها يلزمهم الكفر، إذ اللزوم حينئذ يقترن بالالتزام ولم يرد أنه يلزمهم ذلك مع عدم شعورهم به حتى تكون من باب الطامات كما زعمه، فغاية الأمر أن يخلص من الكفر من لم يصل إليه كلام المصنف قدس سره وإيضاحه للزوم ذلك، وأما الناصب التورط في العناد والعصبية فيلزمه التزام كفر أهل الجاهلية بعد اطلاعه على تلك الملازمة الجلية أعاذنا الله من تلك البلية.
قال المصنف رفع الله درجته فلينظر العاقل من نفسه هل
يجوز له أن يقلد من يستدل بدليل يعتقد صحته ويحتج به
____________________
(1) وفي بعض النسخ مكان لفظة الزريق (الزنديق) فبناء على هذا يكون مراده (قده): أن ما زعمه الناصب من باب التدقيق فضول من الكلام وحقيق باسمه وهو الفضل فتأمل.