ألا ترى أن السلطان إذا كتب فرمانا (1) إلى بعض عبيده، وضم معه رسولا ثقة، وأمن التزوير بحسب العادة أيضا، وإن احتمله احتمالا بعيدا غير ملتفت إليه في المتعارف، فترك العبد امتثاله ولم يمتثله، يستحق اللوم والعقاب.
وكذا لو ارتكب عبد ما يحكم العرف والعادة ومتعارف الناس بعدم رضى مولاه به وجرت عادتهم على تركه يذمونه، يحكمون باستحقاقه المؤاخذة.
وألا ترى أن بناء الناس من بدو العالم إلى ذلك الزمان على اعتبار الحقائق في الألفاظ، والجريان على طريقة تكلم الناس، ويعدونه من المعلومات، ويذمون مخالفه، مع أنه ليس الحاصل منه إلا العلم العادي.
وأيضا المستعمل فيه العلم عند الناس، والمتبادر منه عند إطلاقاتهم، هو ذلك المعنى، أي مالا يعتنى إلى احتمال خلافه، ويعد وقوعه خلاف عادة الناس ويستهجنون من يلتفت إليه، فيكون حقيقة فيه، فيجب إرادة ذلك المعنى كلما استعمل.
والحاصل: أن العلم والظن في الأحكام الشرعية: هو العلم والظن المتعارف (2) إطلاق اللفظ عليهما عند العرف.
فإن كان طرفا الحكم متساويين، يسمونه ترديدا أو شكا.
وإن كان أحد الطرفين أقوى، ولكن لا بحيث يستهجن تجويز خلافه، ولا يعتنى عندهم بخلافه، ولا يلتفتون إليه في مقاصدهم، كان ذلك ظنا، وطرف خلافه وهما.
وإن كان أحدهما بحيث يستقبح تجويز خلافه، ولا يعتنى به عند متعارفهم وإن كان محتملا عقلا، يسمونه علما، وعليه بناؤهم في الامتثالات والمخالفات.