فان قيل: استدلال الفقهاء واحتجاجهم على الضمان خلفا بعد سلف و فهمهم ذلك دليل على أنه كان لهم قرينة على تقديره وإن خفيت علينا.
قلنا: مع أنه لم يعلم ذلك من جميع الفقهاء، ولا أكثرهم وإن علم من كثير منهم، وليس ذلك من الأحكام الشرعية التي يحكم فيها بالاتفاق بضميمة الحدس والوجدان، ولا يصلح عمل جماعة دليلا لشئ، لا يدل على أنه لقرينة تقدير الضمان، بل لعله لاجتهادهم تقدير جميع المحتملات عند عدم تعيين المقدر، أو لمظنة شيوع تقديره، أو لدليل اجتهادي اخر.
فان قيل: المتبادر من هذا التركيب إثبات الضمان.
قلنا: ممنوع جدا، ولو راجعت إلى أمثال هذا التركيب التي ليس الذهن فيها مسبوقا بالشبهة، تعلم عدم التبادر، مع أنه على فرض التسليم لا يفيد، لأصالة تأخر حدوث التبادر، حيث إن ذلك ليس من مقتضى الوضع اللغوي لهذا التركيب.
فان قيل: ليس هنا شئ اخر يصلح أن تكون غايته الأداء الا الضمان، لعدم إمكان غيره عند التلف، فيجب تقدير الضمان، الذي يمكن ثبوته في صورتي بقاء العين وتلفها، فمع البقاء يؤدي العين، ومع التلف المثل أو القيمة.
قلنا: أداء المثل أو القيمة ليس أداء ما أخذت، بل أداء شئ آخر، فلا يكون (حتى تؤدي) غاية للضمان في صورة التلف أيضا، فان مقتضى تقدير المفعول أن يكون مفعول (تؤدي) أو نائب فاعله على تقدير كونه بصيغة المجهول، ما يرجع إلى الموصول، أي ما أخذت، ومعنى أداء ما أخذت: أداء عينه، دون المثل أو القيمة، بل إطلاق الأداء على الغير غير صحيح، فلا يتحقق أداؤه في صورة التلف أصلا.
وعلى هذا تكون الرواية لبيان حكم صورة البقاء، ولا يعلم منها حكم صورة التلف. ولا يلزم أن يستفاد من كل حديث حكم جميع صور الواقعة، ولما لم يكن لتقدير الرد أو الأداء معنى سلسا، إذ ليس قولك: يجب أداء ما أخذ، أو رده