وجوب الوفاء بكل ما التزم به المسلم، إلا ما استثني.
أما دلالتها على الوجوب، فلاستدلال الإمام به على وجوب الوفاء في موثقة إسحاق - المتقدمة - فإنها تدل على أن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك إنشاء للحكم، ومعناه: أن المسلمين يجب أن يكونوا ثابتين عند شروطهم، لعدم صحة الاستدلال بدون ذلك، ولأنه المتبادر من استدلاله.
ويدل على كونه جملة حكمية - أي: إنشائية لا خبرية وصفية - الاستثناء (1) المذكور في أكثرها، فإن المؤمن لا ينبغي أن يشترط ما يخالف كتاب الله، حتى يكون من صفته عدم الوفاء به. ومقتضى الوصفية أنه يشترط المخالف للكتاب، لكنه (2) لا يفي به، وهو كما ترى.
وأما إذا أريد منه الحكم، فلا حزازة فيه أصلا، مع أن المسلمين ليسوا كذلك جميعا، بل هذا صفة القليل منهم، فلو كان خبرا، لزم الكذب أو خروج الأكثر.
مضافا إلى أن قوله: " إلا من عصى الله " على تقدير إرادة الوصف: مستثنى متصل من المؤمنين، ومقتضاه لزوم العصيان بمخالفة الشرط، وبه يثبت الحكم المطلوب. وكذلك لو أريد به الحكم وجعل مستثنى منقطعا.
وإن أريد به: إلا من عصى الله في الشرط، بأن شرط ما خالف الشرع، فهو أيضا لا يناسب الوصف.
وبهذا وإن ثبت كون الجملة إنشائية، إلا أنه بمجرده غير كاف في إثبات الوجوب، كما قيل، بل لا بد من ضم ما ذكرنا من استشهاد الإمام، مع أن فهم العلماء عصرا بعد عصر، في جميع أبواب الفقه، واستدلالهم بذلك على وجوب الوفاء، أعظم شاهد على ذلك، ولم نعثر على من قدح في ذلك.
وأما أن المراد بشروطهم: ما التزموه، فلأن ذلك معنى الشرط لغة، ولم يعرف له معنى في اللغة إلا ذلك، والأصل عدمه.