وملخص ما أفادها دفعا: " أن الأحكام الشرعية لما كانت على مذاق العدلية، تابعة للمصالح والمفاسد الكامنة في المتلقات، وكانت المصالح والمفاسد مما تختلف بالوجوه والاعتبارات، فتارة: يكون الفعل... " كذا إلى أن قال: " وأخرى:
يكون... " كذا.
إلى أن قال: " وثالثة: يكون الفعل المقيد بقيد خاص ذا مصلحة، بشرط أن لا يكون قيده واقعا تحت الأمر، بحيث يكون لكون القيد غير مكلف به، دخل في كون الفعل حسنا وذا مصلحة. فلا محالة يجب على المولى في الصورة الثالثة، الأمر بالمقيد بنحو لا يسري إلى قيده، ولا يصير تحصيله واجبا. وعلى هذا يمكن أن يكون مثال الحج ونظائره من هذا القبيل " (1) انتهى ملخص ما أردنا نقله.
وأنت خبير: بأنه مناقضة، ضرورة أنه إذا كان شئ قيدا في متعلق الأمر، فقهرا يكون الأمر باعثا نحوه. مع أنه لو كان شرط مطلوبية الحج، عدم كون الاستطاعة مطلوبة، فهو شرط حاصل دائما، فلا بد من إيجاد الحج، لإطلاق طلبه.
نعم، بناء على ما سلكناه: من أن القيد يمكن أن يكون دخيلا - بحسب الثبوت - في المصلحة، ولكن ليس واردا في متعلق الأمر، بل هو مفروض الوجود، ولا يعقل الأمر نحوه، لأن الأمر لإيجاد المعدوم، وما هو مفروض وجوده لا يحتاج إلى الأمر، فيكون المبعوث إليه حسب الصناعة، نفس الطبيعة بنحو القضية الحينية، وإن كانت بحسب المصالح مقيدة، كما عرفت في قولنا: " صل في المسجد " فإن المصلحة قائمة بالصلاة في المسجد في المثال، ولكن لا تدعو الهيئة إلى عمارة المسجد إذا كان معدوما، لأنه ظاهر في مفروضية وجود المسجد، ولذلك لا ينبعث أحد من العقلاء من هذا المثال إلى لزوم بناء المسجد عند فقدانه.