وأما في الخطابات القانونية، فلا يشترط كون جميع الأفراد واجدا للشرائط المزبورة، بل واجدية طائفة منهم تكفي لتحقق الإرادة التشريعية المتعلقة بالعنوان العام الكلي، ويكون عندئذ جميع المخاطبين مورد التكليف.
وهذا الذي ذكرناه يظهر من التدبر في موردين:
أحدهما: من التدبر في خطابات الوعاظ الذين يعظون الناس المستمعين إليهم، المختلفين فيما يوعظون به، فمنهم من يكون عاجزا، ومنهم من لا يتوجه حين مخاطبته إلى ما أفاده، ومنهم من هو النائم، ومنهم من هو الغافل، ومنهم من يأخذه سخريا، ويستهزئ به، ويضحك على ما يتفوه به، وجمع منهم متوجهون إليه، ويرتدعون من زواجره، ويأتمرون بأوامره، وتقع المواعظ في قلوبهم.
فهل في هذه الواقعة يتعدد الخطاب، ويتكثر الواحد الكلي إلى الشخصيات؟!
أم لا يشمل خطابه إلا الطائفة الأخيرة، ويكون الآخرون خارجين عن ذيله؟
أم أن الكل مشمول بخطابه الكلي، وهو حين خطابه لا يتوجه إلا إلى العناوين التي يأخذها في الخطاب، من عنوان * (الناس) * أو * (المؤمنون) * أو * (المسلمون) * أو غير ذلك، ويكون الكل محكومين بحكمه، ولو كان كتاب وحساب لا يعد المتخلفون معذورين إلا بالأعذار العقلية المقبولة؟
فبالجملة: التكليف عام انحلالي بالضرورة، ولا قصور في فعليته بالنسبة إلى العموم، ومع ذلك تكون الإرادة واحدة، والخطاب واحدا.
نعم، لا يجوز اختصاص الجاهلين والعاجزين والغافلين والساهين والناسين بالخطابات الاختصاصية، لأن البعث بداعي الانبعاث، وإرادة مثل هذا البعث غير ممكن تحققها.
وهكذا إذا كان جميع المستمعين مستهزئين، أو عاجزين، أو جاهلين، فإنه عند ذلك أيضا لا يتمكن من ترشيح الإرادة التشريعية الإيعاظية، ولا من توجيه