أوامر إرشادية لما يرون من مصالح الأشياء ومفاسدها، فيرشدون المراجعين إليها، ويحذرونهم من عواقبها الراجعة إليهم من حسنها وسوئها، ونقصها وكمالها، فيكون لأعمالهم تبعات قهرية طبيعية وتكوينية، تحصل بمجرد الإتيان بها، والأطباء كاشفون هذه الخواص والآثار، ومبعوثون من قبل الله تعالى بنحو من البعث، لا كبعث الأنبياء والرسل على كافة الخلق، ويرشدونهم إلى ما يصلح حالهم، ويمنعهم عن المضرات والمفسدات.
فهل عند ذلك يعقل كون أمر الطبيب أمرا مولويا، أو هل يعقل كون أمر الله ونهيه بالنسبة إلى تلك المصالح والمفاسد مولويا، إذا كان لا يترتب على مخالفته وعصيانه غير الأثر السي ء، وغير تبعات تلك الأعمال، ولا يكون العقاب الآخر مجعولا على المخالفة، بل كان لا يترتب على مخالفة شرب المسهل إلا سوء المزاج، ويبقى على حاله من سوء حاله، وانحراف طبيعته، ولا يكون شئ آخر وراء ذلك؟!
وهكذا إذا كان لا يترتب على موافقة تلك الأوامر إلا تبعاتها القهرية، وآثارها التكوينية، وكان عقابها منحصرا بذلك، فهل يعقل كون الأوامر في هذا المحيط وتلك الصورة، نفسية ومولوية؟!
كلا، بل لا بد وأن تكون إرشادية إلى تلك التبعات، لعدم معنى للمؤاخذة على المخالفة لابتلاء العاصي بالعقاب إلا بإذن الله، والمطيع بالثواب إلا بإذن الله.
إذا لاحظت في دقيق نظرك هذه المقالة، يخطر ببالك الشبهة في الواجبات والمحرمات الإلهية، فإنها ربما كانت كالواجب والمحرم في محيط الطبيب والمريض، ويكون الأنبياء أطباء الروح، ويخبرون عما لا يطلع عليه البشر في هذه النشأة، ولذلك يجب على الله تعالى بعث الرسل، وإنزال الكتب، لإعلام الناس بهذه المصائب والمثوبات، وأن الأعمال في هذه النشأة تلازم الصور المؤذية والملذة،