نعم، مفهوم الحكم ربما لا ينتزع إلا بعد البعث، ومفهوم الوجوب أوسع منه، وينتزع من الإرادة الموجودة غير المظهرة لمانع، ولكن النفسية والغيرية تردان على المعنى الأعم، وهو المطلوب والمقصود المضاف إلى العبد. فعند ذلك يظهر ضعف ما قيل أو يقال في هذه المقالة.
ولما كان صدق مقالتنا يظهر من توجيه المتعلمين إلى مثال، فإن في ذلك برهانا وإرشادا وتنبيها للوجدان، فنقول: في الموالي العرفية إذا أراد المولى تأسيس بناء مسجد، فلا شبهة في أن غرضه الذاتي، ربما ينجر إلى الوصول إلى تلك المقامات التي أشرنا إليها، ولكنه - تبعا لغرض تأسيس البناء، واحتياج البناء إلى الخدام والعمال - تارة: يأمر المهندس بإيجاد خريطة المسجد.
وأخرى: يأمر المعمار برسم هذه الخريطة على القاع المهيأة للمسجد.
وثالثة: يأمر البناء ببناء المسجد.
ورابعة: يأمر السائق بجلب مواد البناء للمسجد.
وخامسة: يأمر صانع الطابوق بطبخ الطابوق للمسجد.
وسادسة: يأمر العمال بمعاونة البناء في أمر المسجد وبنائه.
وسابعة: غير ذلك.
فإذا نظرنا إلى المولى الباني لبناء المسجد، فلا نجد منه إلا الأوامر النفسية متوجهة إلى الأشخاص المختلفين، وعلى كل واحد منهم يجب امتثال الأمر المتوجه إليه، لأنه طلب منه شيئا وبعثه نحوه، من غير كون هذا البعث في هذا اللحاظ بالنسبة إلى هذا العامل غيريا، لأن الغيري هو البعث أو الإرادة المترشحة أو المتولدة منه متوجهة إليه على مقدمات ما هو المبعوث إليه.
ففي المثال المزبور، كان قد أمر صانع الطابوق بصنعة الطابوق، وهذه الصنعة متوقفة على مقدمات وشرائط وجودية، وتلك المقدمات والشرائط إذا كانت مورد