النفسي هي معرفة الله (1)، مع أن معرفة الله ليست المقصود الأصلي في الواجبات النفسانية، ضرورة أن معرفة الله، يمكن أن تكون المقصود الأصلي للإرادة الفاعلية، ولكن لا يمكن أن تكون الغاية للإرادة الآمرية والإلهية.
بل غاية فعله تعالى ليست إلا متحدة مع مبدأ الفعل، لما تقرر في محله: من أن العالي لا يتصنع للداني، وأن المستعلي بالذات غني عن التوصل إلى الغير (2)، ولذلك قيل: " إن حبه بذاته غاية فعله " (3) فإن حبه بذاته يستلزم الحب بصفاته، والحب بالصفات يستلزم الحب بلوازم الصفات المستتبعة للأعيان الثابتة العلمية، ثم لتلك الأعيان في النشأة العينية. فهل ترى من نفسك كون الواجب النفسي في الإرادة التشريعية مثل ذلك؟!
فلا يجوز أن يتدخل الانسان فيما هو خارج عن أفق تعلقه وتدبره، ولا ينبغي الخلط بين ما هو المقسم في الواجبات النفسية والغيرية التي تكون معروفة عند العوام والخواص، وبين ما هو الخارج عن محيط أفكار الناس وأخص الخواص.
ومجرد ما قيل: " من أن الواجبات الشرعية، ألطاف في الواجبات العقلية " (4) لا يستلزم نقض خيط العلوم الاعتبارية، فإن معنى هذه الجملة، لا ينافي الواجبات النفسية والغيرية والمحرمات الشرعية بالضرورة، لأن ملحظ العقل هو ذاك، وملحظ الشرع والقانون هذا الأمر الاعتباري، وهو الوجوب المنتزع عن الإرادة البارزة، أو هو نفس الإرادة، على ما يفهمه العقلاء من الإرادة في جعل القوانين العرفية، على وجه لا يكون خارجا عن أفق التحقيق حسب ما قرر في الكتب العقلية، فليتأمل.