ومر: أن الإرادة ليست هي الشوق المؤكد، بل الشوق والاشتياق من مقولة الانفعال، ومن أوصاف النفس، والإرادة فعل النفس، وخارجة عن أية مقولة حتى " أن يفعل " لعدم حصولها تدريجا، بل هي آنية الوجود، وبعد تمامية مقدمات وجودها وشرائط تحققها (1)، فلا نطيل الكلام بذكر هذه الأمور تفصيلا.
وأيضا قد تقرر منا مرارا: أن الإرادة التكوينية والتشريعية، لا تختلف في حقيقة الإرادة، ولا يكون المراد في الثانية متخلفا عن الإرادة، بل الإرادة التكوينية في الفاعل، تتعلق بما يريد إيجاده بتوسط الحركة التي توجد في العضلات مثلا، والإرادة الثانية أيضا تكوينية متعلقة ببعث العباد إلى المادة، وهو يحصل بلا تخلف (2). وما اشتهر: " من أن متعلق الإرادة التشريعية فعل الغير " (3) من الغلط الواضح.
وتوهم إمكان دفع الإشكال المتوجه إليه - بأنه يلزم التخلف، مع أن الإرادة علة تامة في الفاعل الإلهي -: بأن المراد هو صدور الفعل عنه عن اختيار، غير تام، ضرورة أن لازم ذلك، صدور الفعل عنه عن اختيار، ولا تنافي بين ذلك وبين اختيارية الفعل، فتأمل.
فبالجملة: الوجدان حاكم بأن ما يريده الشرع والآمر، هو البعث نحو المادة وإن كان يشتاق لفعل الغير وصدوره منه، أو يطلبه بعد التوجه الثاني، ولكنه لا يريده، لعدم إمكان تعلق الإرادة بما هو الخارج عن حيطة قدرته، ولا معنى للإرادة التشريعية حتى يقال: بأنها تكون هكذا، لا الإرادة الفاعلية.
نعم، المراد من " الإرادة التشريعية " هو أن المراد تشريع القانون وبعث الغير نحو المطلوب، فلاحظ.