وتوهم: أن كربلاء ليست مرادة، بل هي مشتاق إليها، وتميل النفس إليها ميلا كاملا، وعند ذلك تريد المقدمات، فكل مقدمة قريبة في الوجود هي المرادة، ولا تفكيك، وكل متأخر في الوجود مشتاق إليه، ومعلوم الصلاح، ثم تتعلق به الإرادة عند استجماع سائر الشرائط، فلا يلزم تفكيك وإذا سئل وجدان أحد بأنك تريد كربلاء وتقصدها؟ فيجيب: " نعم " فهو بمعنى الطلب والميل، لا الإرادة التي هي الجزء الأخير للعلة التامة، مدفوع بما عرفت.
والعجب من العلامة المحشي الأصفهاني حيث توهم ذلك، وتنظر في إمكان تعلق الإرادة التكوينية بالمتأخر (1)، غفلة عن البرهان والوجدان، وتبعه بعض أفاضل تلاميذه في التكوينية دون التشريعية، مع تصريحه بعدم الفرق بين الإرادتين (2).
إن قلت: الإرادة ليست إلا اختيار النفس ما يرى فيه صلاح وجوده، وهذا المعنى كيف يمكن تخلفه عنها؟!
قلت: نعم، إلا أن معنى اختياره ليس عدم التفكيك بينه وبين تحققه.
وبعبارة أخرى: النفس تختار، ولكنه يتعلق اختياره بالمتأخر، وهو زيارة كربلاء المقدسة، ولذلك الاختيار يثبت الإرادة الثانية من الإرادة الأولية، وإلا يلزم نشوء الإرادة المقدمية من الشوق والميل، أو من العالم بالصلاح غير البالغ إلى حد العزم والتصميم والجزم.
نعم، قد عرفت منا شبهة في أصل صفة الإرادة ووجودها، مع دفعها، في تنبيهات مباحث الطلب والإرادة (3)، فليراجع إلى ما هناك لعل الله يهديك، ويكون لي ذخرا ليوم الفقر والفاقة.