الواقعي الذي كانت امارة على عدم حرمته لا يكون تركا للواجب الفعلي وارتكابا للحرام الفعلي فلا يستحق عقابا. وأما لو لم نقل بذلك بل قلنا بأن وجود الأمارة النافية للتكليف مجرد عذر للمكلف في ترك الواجب أو ارتكاب الحرام كما هو الحق فيستحق العقاب على مخالفة الواقع، لأنه ترك الواقع وخالفه لا عن عذر، لأن عذريته موقوفة على العلم بها، والفرض أنه لم يكن عالما بها، فحال صورة وجود الأمارة على نفي التكليف مع عدم العلم بها كحال صورة عدم الأمارة لا على وجوده ولا على عدمه، فكما أنه لو رجع إلى البراءة قبل الفحص وخالف التكليف الواقعي يستحق العقاب على مخالفة الواقع في الصورة الأخيرة فكذلك في الصورة الأولى.
فتلخص: أن بمجرد احتمال التكليف، العقل يحكم بلزوم الاحتياط إلا أن يكون مؤمن من العقوبة على مخالفته ومجرد جهل المكلف به لا يكون مؤمنا، بل المؤمن هي أدلة البراءة العقلية أو النقلية، وهي لا تجري إلا بعد الفحص عن الدليل و عدم الظفر به، فلو رجع إليها قبل الفحص فيستحق العقاب على التجري بناء على حرمته مطلقا، سواء خالف التكليف الواقعي أم لا، وسواء كان في الواقع دليل على التكليف الواقعي على تقدير وجوده أم لا، وسواء كان دليل في الواقع على نفيه أم لا.
وإنما الكلام في استحقاق العقاب على مخالفة الواقع، لا إشكال في استحقاق العقاب على مخالفة الواقع في الصورة الأولى، وهي صورة مخالفة الواقع مع وجود الدليل المثبت له واقعا، لأنه ترك الواقع بلا عذر، بل مع وجود الحجة وقاطع العذر على وجوده واقعا، وكذلك في الصورة الثالثة وهي صورة ترك الواقع مع عدم الحجة لا على وجوده ولا على عدمه واقعا، لأنه أيضا ترك الواقع بلا عذر.
وإنما الإشكال في الصورة الثانية وهي صورة ترك الواقع مع وجود الحجة على نفيه، إذ يمكن أن يقال: إنه لو تفحص لظفر بالأمارة النافية للتكليف ففحصه وعدم فحصه سيان، ولكن الحق خلافه وأن الترك في الصورة التي تفحص وظفر بالأمارة النافية يكون عن عذر وفي الصورة التي لم يتفحص يكون بلا عذر، وإن