وأما بناء على مختار الشيخ (قدس سره) فالعقل مستقل بوجوب الاحتياط بالنسبة إلى بعض الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط بالنسبة إلى تمام الأطراف من جهة العسر والحرج واختلال النظام، والظاهر أن ما اختاره الشيخ (قدس سره) هو الحق.
والحاصل: أن قاعدة الضرر والعسر لما كانتا ناظرتين إلى أدلة الأحكام التكليفية والوضعية المتعلقتين بما يعم الموضوع الضرري والعسري كان معناهما نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، فتكونان حاكمتين على الأحكام التكليفية والوضعية الضررية والعسرية التي يلزم الحرج من جعل أصل الحكم الشرعي، ولا تكونان حاكمتين على الاحتياط العسري إذا كان الاحتياط بحكم العقل فلا وجه لرفع الاحتياط العسري الذي نشأ من ناحية حكم العقل، مع أن الحكم الشرعي ليس بعسر، وإنما العسر لزم من حكم العقل بوجوب الاحتياط.
نعم لو كان معنى نفي الضرر والعسر نفي الحكم الناشئ من قبلهما كانت قاعدة نفي الضرر والعسر محكمة، لأن الحكم الشرعي وإن لم يكن عسرا، إلا أن العسر لزم من جهة مراعاته بإتيان محتملاته. ولا فرق بين أن يكون الحكم الضرري أو العسري حكما شرعيا أو عقليا ناشئا من الحكم الشرعي في أن قاعدة الضرر والعسر توجبان رفعهما وبعبارة [أخرى] لافرق بين أن يكون المجعول الشرعي ضرريا وعسريا أو منشا للضرر والعسر، فتأمل.
وأما الرجوع إلى الأصول فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن إجرائها عقلا مع حكم العقل وعموم النقل، هذا.
ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي، لاستلزام شمول دليله لها التناقض في مدلوله بداهة تناقض حرمة النقض في كل منها بمقتضى " لا تنقض " لوجوبه في البعض - كما هو قضيته - ولكن ننقضه بيقين آخر، وذلك لأنه إنما يلزم ذلك فيما إذا كان الشك في أطرافه فعليا. وأما إذا لم يكن كذلك، بل لم يكن الشك فعلا إلا في بعض أطرافه وكان بعض أطرافه الآخر غير