والحاصل: أن هذا الدليل لا يثبت حجية خبر الواحد بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منه أو يعمل ينافيه في مقابل الحجة على الثبوت كما هو شأن الحجة المعتبرة، بل مقتضاه العمل بالمثبت منه من باب الاحتياط، إذ لو لم نعمل به نقطع بعدم الخروج عن عهدة التكاليف الباقية القطعية الضرورية كالصلاة وأمثالها، لأن جل أجزائها وشرائطها تثبت بالخبر الواحد، فلو لم نعمل بالخبر الواحد في إثباتهما لزم خروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور، وأن يكون الآتي بها بدون هذه الأجزاء والشرائط قاطعا بعدم الخروج عن عهدة التكليف بها، مع أن مرجع هذا الدليل إلى دليل الانسداد، إذ لافرق في القطع ببقاء التكليف بين الأصول الضرورية وغيرها، كما لافرق بين التكاليف الغيرية كالأجزاء والشرائط والتكاليف النفسية من حيث لزوم الخروج عن عهدة التكليف بهما، وإن كانت مفسدة ترك الخروج عن عهدة التكليف بالأجزاء والشرائط هو خروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور مفسدة ترك الخروج عن عهدة التكاليف النفسية هو الخروج عن الدين إلا أن الأول مساوق للثاني كما لا يخفى، فتأمل.
ثالثها: ما أفاده بعض المحققين أعني المحقق الاصفهاني الشيخ محمد تقي في حاشية المعالم وملخصه: أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة، فإن تمكنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع كذلك، وإلا لا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف، فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى الظن بأحدهما (1).
وقد أورد عليه الشيخ (قدس سره) بأن هذا الدليل بظاهره عبارة عن دليل الانسداد الذي أقاموه لإثبات حجية الظن في الجملة أو مطلقا، وذلك لأن المراد بالسنة هو قول الحجة وفعله وتقريره، فإذا وجب علينا الرجوع إلى مدلول الكتاب والسنة ولم نتمكن من الرجوع إلى ما علم أنه مدلول الكتاب أو السنة تعين الرجوع