وغيرهما من الظواهر، وإن ذهب بعض الأصحاب إلى عدم حجية ظاهر الكتاب.
والحاصل: أنه لا شبهة في استقرار طريقة العقلاء من أهل كل لسان ولغة بما هم عقلاء، سواء كانوا متدينين بدين وشريعة أم لا على الأخذ بالظواهر وعدم الاعتناء مقام العمل وترتيب الآثار باحتمال خلافها، وإن كان موجودا ذاتا وتكوينا، إلا أنه ملغى بنظرهم عملا والاحتمال الغير المعتنى به في مقام العمل وجوده كعدمه، فلذا تسمية هذه الظواهر علما أقرب من تسميتها ظنا، لأن في الظن احتمال الخلاف موجود ومعتنى به، إلا أن يقوم دليل خارجي على عدم الاعتناء به، وأما في الظواهر احتمال الخلاف غير معتنى به ولو لم يكن دليل خارجي، وإن كان بينها وبين العلم فرق من جهة احتمال الخلاف منتف في العلم ذاتا، وفي الظواهر موجود إلا أنه غير معتنى به، وبناء العقلاء على أحد طرفي الاحتمال وعدم الاعتناء بالطرف الآخر إنما هو بمقتضى جبلتهم وفطرتهم التي أودعها الله فيهم كسائر فطرياتهم التي بها قوامهم ونظامهم وإن كان ذلك لمرجح من جهة امتناع الترجيح بلا مرجح، إلا أنه يمكن أن يكون مرجح واقعي ولكن لم نعلم به لقصورنا عن إدراك حكم الأمور التكوينية ومصالحها، والشارع لم يردع عن هذه الطريقة فلا بد أن تكون هذه الطريقة العقلائية ممضاة عنده في تعيين مراداته من ظواهر كلماته، وإلا لوجب عليه اختراع طريقة مخصوصة في استفادة مراده من كلامه، وإلا لزم سد باب الإفادة والاستفادة من كلامه.
فإثبات حجية ظواهر كلام الشارع في تعيين مراداته موقوف على هاتين المقدمتين أعني استقرار طريقة العقلاء على الأخذ بالظواهر وعدم ردع الشارع عنها. ولا نزاع في المقدمة الثانية. وإنما النزاع في المقدمة الأولى لا في أصل استقرار طريقة العقلاء على الأخذ بالظواهر في الجملة، بل في أن بناءهم على الأخذ بها مطلق أو مقيد بحصول الظن بالوفاق - كما قيل (1) - أو بعدم الظن بالخلاف - كما قيل (2) أيضا - والفاصل في هذا النزاع هو الرجوع إلى الأذهان