والأموال، لاهتمامه بها، وإن لم يكن له اهتمام بالواقع بهذه المثابة، وكان في جعل الاحتياط كلية على المكلفين مخلا بالنظام، أو كان فيه حرجا عليهم، أو كان في التسهيل عليهم مصلحة لا يجعل عليهم الاحتياط، والفرض أن نفس التحصيلات الأولية لا تكفي في إحراز الواقعيات، لعدم وصولها إلى المكلف وعدم كونها باعثة وزاجرة فعلا، فحينئذ لابد إما من رفع اليد عن تلك الأحكام الواقعية المجهولة، أو من جعل الأمارة المؤدية إليها غالبا فإن كانت موارد إصابة الأمارة متميزة عن موارد خطئها بأن كانت لها علامة بأن الأمارة الفلانية مصيبة وغيره مخطئة بأن كان خبر العادل فيما إذا كان مخبره سيدا أو عالما أو شيخا - مثلا - مصيبا، وفيما كان مخبره عاميا أو جاهلا أو شابا مخطئا فلابد من جعل المصيب حجة دون المخطىء. وأما إذا لم يكن للمصيب والمخطىء علامة فالأمر يدور بين عدم جعلها رأسا - ولازمه فوت الواقعيات المجهولة - أو جعل الأمارة الغالبة المطابقة.
ولا إشكال في تعين جعلها، إذ فيه تحصيل للواقعيات غالبا ففوت الواقعيات لا يستند إلى جعل الأمارات، بل إلى جهل المكلف بالتحصيلات الأولية وجعل الأمارات إدراك لها بمقدار لا أنه تفويت لها.
والحاصل: أن الحكم ما لم يصل إلى المرتبة الفعلية لا يترتب عليه باعثية وزاجرية، ووصوله إلى المرتبة الفعلية إنما هو بأن يصير الشارع بصدد تحصيله وإجرائه وإنفاذه بالنحو المتعارف، وتحصيله بالنحو المتعارف ربما لا يبلغ إلى تمام المكلفين ويختفي عليهم، فلابد من تحصيله ثانيا، وتحصيله الثانوي الذي لا يفوت معه الواقع هو جعل الاحتياط، فإن كان فيه محذور فلابد إما من رفع اليد عن الواقع فيفوت الواقع راسا، وإما من جعل أمارة غالب المطابقة للواقع، وفي موارد المخالفة فوت الواقع لا تفويت الواقع بجعله الأمارة، بل جعل الأمارة إدراك وتحصيل للواقع بالمقدار الممكن. هذا بناء على كون المجعول في باب الأمارات هي الحجية، فإنه لا يلزم منه محذور من المحاذير المذكورة إلا تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة، وقد عرفت أن جعل الأمارة لا يوجب شيئا منهما