فيؤخذ بالقدر المتيقن، ومن جهة هذين الاحتمالين وقع الإشكال والخلاف في بعض فروع النكاح كما يظهر بالمراجعة إلى كتاب النكاح.
وأما وجه اندفاع الإشكال المذكور - أعني تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة على تقدير جعل الحجية وعدم مصادفتها للواقع - فهو: أنه لا إشكال في أن التكاليف والأحكام الشرعية ما لم تصل إلى المكلفين لم يكن لها محركية للمكلف نحو الفعل أو الترك ولم تكن باعثة وزاجرة فعلا، وإن كانت لها شأنية الباعثية والزاجرية على تقدير الوصول، فلا بد في باعثيتها وزاجريتها من إيصالها إلى المكلفين، وما لم تصل إليهم لا تكون باعثة وزاجرة بوجودها الواقعي.
ولذا قلنا: لا يترتب على الأحكام الإنشائية الشأنية الاقتضائية ثواب وعقاب موافقة ومخالفة لأنها ليست محركة فعلا وإذا لم تكن محركة لم تكن أمرا ولا نهيا، وإذا لم تكن أمرا ولا نهيا لم يكن على موافقتها ثواب ولا على مخالفتها عقاب، لأن الثواب والعقاب مترتبان على عنوان الإطاعة والعصيان وهما مترتبان على الأمر والنهي، ولا إشكال في أن ايصالها إلى المكلفين ليس بأن يوصلها الشارع إلى كل واحد من المكلفين بالخصوص، بل طريقة إيصالها إليهم هو النحو المتعارف من إيصال القوانين الكلية إلى الرعية، كما في القوانين المجعولة من قبل السلطان بالنسبة إلى الرعية، فإن المتعارف هو إعلان تلك القوانين لا إيصالها إلى كل واحد واحد بالخصوص والنحو المتعارف من إبلاغ تلك الأحكام إلى المكلفين هو إرسال الرسل وإنزال الكتب.
ولا إشكال أيضا في أن الإبلاغ على النحو المتعارف ربما لا يصل إلى بعض المكلفين، وربما لا يحصل لهم العلم به فلا يكون نفس الإبلاغات والتحصيلات الأولية كافية في المحركية والباعثية والزاجرية. ولا بد من تحصيل جديد ليحرز به الأحكام الواقعية. والتحصيل الجديد الذي يحرز به الواقع على الوجه التام هو جعل الاحتياط التام بأن يوجب على المكلف الاحتياط بإتيان تمام محتملات الوجوب وترك محتملات الحرمة، كما جعله الشارع في مورد الدماء والأعراض