خوطب به فهم تمام القرآن وفهم حقائقه ودقائقه، من ظاهره وباطنه، وتفسيره وتأويله، ومحكمه ومتشابهه وعامه وخاصه، وناسخه ومنسوخه، لا فهم ظاهره وإلا لانسد باب استفادة الأحكام من ظواهر الكتاب، وهو مناف لما ورد (١) من الأئمة من تقرير أصحابهم لاستنباط الأحكام من ظواهر القرآن، وارجاعهم إلى الأخذ بظواهره، وترجيح الأخبار (٢) المتعارضة بموافقة الكتاب ورد الشرط المخالف للكتاب. فلو لم يكن ظاهر الكتاب حجة لا معنى لشيء من ذلك. فما ذكرناه من الحمل مع أنه ليس بعيدا في نفسه، إذ يصح أن يقال: فلان لا يعرف القرآن، يعنى لا يعرفه بتمامه وكما ينبغي لا أنه لا يعرف شيئا منه ولو آية منه، كما يصح أن يقال: فلان لا يعرف الكتاب الفلاني يعني لا يعرف تمام مطالبه. وكما ينبغي لا أنه لا يعرف منه شيئا ولو بعض المطالب الواضحة حتى سطرا منه إلا أنه لو كان بعيدا في نفسه لكنه بملاحظة تلك المعارضات يصير قريبا.
وأما في الوجه الثاني: فلأن عدم استفادة المطلب من كلام إما من جهة تعقيد ألفاظه مع كون معناه من المعاني العرفية الواضحة كاللغز والمعمى، أو من جهة كون المعنى من المعاني الغامضة والمطالب الشامخة العالية وظواهر القرآن المتعلقة بالأحكام التي هي البحث والحاجة ليس فيها تعقيد في ألفاظها ولا غموضة في مطالبها ومعانيها، فإن قوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾ (3) لا تعقيد في ألفاظه ولا غموضة في معناه ومطلبه وهكذا غيره من الآيات المتعلقة بالأحكام.
وأما في الوجه الثالث: فلمنع شمول المتشابه للظاهر، واحتمال شموله له خلاف الظاهر، إذ المتشابه ليس متشابها، بل المراد به القدر المشترك بين المجمل والمؤول، كما أن المحكم هو القدر المشترك بين النص والظاهر فلو كان الظاهر