والحاصل: أن استحقاق العقاب لابد أن يرجع إلى أمر اختياري، وأما عدم استحقاق العقاب فلا يحتاج إلى أن يرجع إلى أمر اختياري، بل يكفي عدم صدور الفعل اختيارا، فإن صدور الفعل اختيارا بواسطة أو بلا واسطة موجب وعلة لاستحقاق العقاب، وعدم تلك العلة علة للعدم، ولا يحتاج إلى علة وجودية فإن من ترك قتلا أو شربا أو سائر المحرمات لعدم قدرته عليها ونحوه لا يعاقب عليها، وإن لم يكن ذلك الترك اختياريا، فتأمل.
وأما التفصيل الذي ذكره صاحب الفصول (1) (قدس سره) من أنه لو قطع بتحريم شيء غير محرم واقعا وارتكبه فإنه يرجح استحقاق العقاب عليه، ولو قطع بتحريم واجب غير مشروط بقصد القربة فإنه لا يبعد عدم استحقاق العقاب عليه لو ارتكبه، من جهة معارضة الجهة الواقعية للجهة الظاهرية، لعدم كون قبح التجري ذاتيا واختلافه بالوجوه والاعتبار.
ففيه: ما ذكره الشيخ أولا من أن قبح التجري ذاتي، لأنه كالظلم، بل عينه ومن أشد أفراده، لأنه ظلم في حق المولى الحقيقي بالتمرد والطغيان عليه وهتك حرمته والخروج عن زي عبودية.
وثانيا على تقدير عدم كونه ذاتيا واختلافه بالوجوه والاعتبار فلا إشكال في أنه مقتض للقبح كالكذب، ولا يرتفع قبحه إلا بعروض جهة محسنة له، والجهة الواقعية المغفول عنها لا تتصف بحسن ولا قبح حتى تؤثر في رفع قبحه، لأنه كما أن اتصاف التجري بالحسن والقبح إنما يختلف بالوجوه والاعتبار فكذلك ما تحقق التجري بفعله أو تركه أيضا يختلف بالوجوه والاعتبار، فترك قتل المؤمن في المثال الذي ذكره لا يتصف بحسن ولا قبح للجهل بكونه مؤمنا فكيف يوجب رفع قبح التجري.
والحاصل: أنه إن قلنا بأن قبح التجري يختلف بالوجوه والاعتبار فلا شك أنه لا يرتفع قبحه إلا بعروض جهة محسنة له وترك قتل المؤمن أو النبي في المثال