- أعني وجوب الاجتناب - فلا تقوم الأمارة مقام القطع، لأن قيامها مقام القطع متوقف على طريقيتها، وهي متوقفة على وجود الأثر، والفرض أنه لا أثر لها إلا هذا الأثر فيلزم توقف هذا الأثر على نفسه وهو دور فتأمل وإن كان مأخوذا فيه على الوجه الثاني فلا تقوم الأمارات والأصول مقامه.
ثالثها: أن القطع المأخوذ في الموضوع بقسميه تارة يكون أخذه فيه من جهة أنه صفة خاصة قائمة بالنفس وكيفية من الكيفيات النفسانية، وأخرى يكون أخذه فيه من جهة إرائته وكشفه عن الواقع، إذ القطع صفة ذات إضافة له جهة موضوعية وجهة طريقية، فإن كان أخذه في الموضوع بلحاظ موضوعيته فلا تقوم الأمارات والأصول بنفس دليل اعتبارها كما هو محل الكلام مقامه.
نعم لا مانع من قيامها مقامه بورود دليل خاص - مثلا - على أن قيام الأمارة - كالبينة ونحوها - على شيء كالقطع به في وجوب ترتيب آثار الواقع عليه، ويكون حينئذ من قبيل " الطواف بالبيت صلاة " وإن كان أخذه فيه من جهة أنه طريق ومرآة للواقع، فإن كان اعتباره فيه من جهة أنه طريق خاص لا تقوم الأمارات والأصول مقامه، وإن كان اعتباره من جهة أنه فرد من مطلق الطريق، فتقوم الأمارات والأصول مقامه كما عرفت.
ومجمل الكلام في المقام هو أن القطع الطريقي تقوم الأمارات والأصول - على ما عرفت - مقامه بنفس دليل اعتبارها سواء قلنا بأن مفاد أدلة اعتبارها هو الغاء احتمال الخلاف أو تنزيل مؤدياتها منزلة الواقع. أما على الأول فلصيرورتها قطعا بالتعبد الشرعي، إذ القطع ما لا يكون فيه احتمال الخلاف، فإن لم يكن فيه احتمال الخلاف تكوينا فهو القطع الوجداني التكويني، وإن لم يكن فيه احتمال الخلاف تشريعا فهو القطع التعبدي التنزيلي. وأما على الثاني، فلأنه بعد أن نزل الشارع مؤدى الأمارة منزلة الواقع فهو وإن لم يكن مقطوعا به إلا أنه لا فرق بينه وبين المقطوع في ترتيب آثار الواقع عليه، فإذا كان حكم الخمر هو وجوب الترك، ومعلوم أن هذا الأثر لا يترتب إلا بعد الإحراز، فلا فرق بين الإحراز